انطلقت حملة إعلامية من شخصيات عامة ورموز سياسية قبل شهور من إجراء الانتخابات الرئاسية التي نتج عنها تولي عبد الفتاح السيسي حكم مصر رسميا، لدعمه كمرشح محتمل وتمهيد الطريق الممهد مسبقا منذ إعلان الثالث من يوليو/تموز2013، كان المصطلح الذي نحته محمد حسنين هيكل، كاهن ثورة 1952، وبلور به رؤيته لترشح الجنرال جاذبا لأغلب رموز النخبة المصرية ليكون ستارا يخفون به انصياعهم للحكم العسكري، ومبررا لسكوتهم عن انتهاكات القانون وخرق قواعد الديمقراطية والعمل السياسي، وهدمه أسس الدولة المدنية التي تغنوا بها.
قامت فكرة "مرشح الضرورة" باختصار على أسطورة أن الدولة وحدها هي القادرة على حل مشكلاتها وإصلاح العطب في مؤسساتها، وأن الدولة وحدها ستختار من يتولى إدارتها من رجالها، وسيكون الشخص الوحيد الذي لديه القدرة على إصلاح النظام من الداخل واستبدال قياداته، كما قامت الفكرة على رفض ضمني لأي تغيير يحمله فرد من خارج النظام ومن غير أبنائه، وأي محاولة للتغيير أو حتى لإصلاح النظام ستواجه بانقلاب مشابه لانقلاب 3 يوليو.
فكرة "مرشح الضرورة" ليست مجرد فكرة دعائية ذكية لحملة انتخابية لمرشح الدولة، ولكن "تصرف الضرورة" هو ذكرى تم استحضارها من الماضي وسوف تستمر معنا في المستقبل، فعبد الناصر قام بانقلاب على محمد نجيب للضرورة، والسادات وقع اتفاقية السلام وانفتح على الولايات المتحدة للضرورة، ومبارك لم يفعل شيئا طيلة ثلاثة عقود للضرورة، وتجهيز جمال مبارك لوراثة الحكم كان للضرورة أيضا.
الضرورة هي ضمانة الشرعية لكل حاكم بلا شرعية مستمدة من رضا محكوميه، فالضرورة التي جاءت به إلى الحكم ومرتبطة بوجوده على ذات الكرسي، يبقى ببقائها وينقضي حكمه بزوالها، والضرورة ليست فقط منبع شرعيته، ولكنها أيضا حصنه المنيع من الغضب الشعبي، ومن صراع الساسة ومؤامرات المؤسسات.
لم ينج الشباب الثوري أيضا من فخ "مرشح الضرورة"، ففكرة عصر الليمون لانتخاب محمد مرسي في انتخابات رئاسة 2012 لم تبتعد كثيرا عن اختيار مرشح لضرورة قضت بإسقاط مرشح الدولة، مع اختلاف الغاية والوسيلة بالطبع، إلا أن اختيار مرشح ما، لأن الضرورة تقتضي نجاحه، مع الاختلاف مع رؤيته ومشروعه، هو ما أدى إلى ما لحق ذلك من خلافات وصلت إلى حد دعم أغلبهم للانقلاب على أول رئيس منتخب ديمقراطيا.
تمثل الضرورة الأكبر في حالة الحاكم العسكري لمصر، عبد الفتاح السيسي، هي حربه على الإرهاب، وحرصه على تماسك الدولة ووحدة صفها، وقد كان واضحا في أول إعلان له عن نفسه بطلب الاجتماع مع القوى السياسية برعاية القوات المسلحة متجاوزا الرئاسة ليعلن نفسه حريصا على وحدة الدولة، ثم ما ألحقه بمهلة الـ48 ساعة، التي أخرجت مشهد 3 يوليو ليظهر بمشهد المنقذ للدولة، كما كان طلبه للتفويض للحرب على "الإرهاب المحتمل" إعلانا آخر لضرورة أخرى وهي الحرب على الإرهاب، واكتملت الحلقة بإعلان نفسه رجل الضرورة بخلق حاجتين للجماهير وللدولة، ثم تقدم الصفوف لإظهار قدرته على تحمل المهمة وتلبية كلتيهما.
وعليه فإن السيسي أحرص أهل مصر على استمرار الإرهاب، بل وربما ارتفاع وتيرته أحيانا، كما أنه أكثرهم رعبا من أي صراع أو شبه انقسام بين أجنحة الدولة، وبخاصة الأجهزة الأمنية منها، وهو ما يفسر الطريقة التي أطاح بها بوزير داخليته وشريكه محمد إبراهيم دون علم الأخير، في مشهد انقلابي جديد.
(مصر)