رمضان اسكندنافيا... العين على غياب الشمس والحنين للمة
في أسواق تجارية خاصة بالعرب والمسلمين عموما تجد الصائمين منشغلين بالتحضير لشراء ما يلزمهم، وخصوصا اللحم الحلال والخضروات العربية والتركية، وهي أيضا مناسبة للبعض "للالتقاء وتبادل أطراف الحديث في الأسواق"، وبينهم مسلمون أوروبيون، مثل يوسف، وفي سلتهم شراب وتمر ووجبات شوربة جاهزة .
"رمضان هذه السنة في فصل صيفي، والتمر بالنسبة لي صار كالعادة بحكم أنه يمنحني بعض الطاقة، وخصوصا عند السحور لساعات عمل طويلة في النهار". يقول المسلم الثلاثيني، يوسف، موضحا أن تجربة الصيام هي "أقل تحد أواجهه مع الأسرة والمحيط، وإن باتوا الآن أكثر تعودا علي".
لا شيء يوحي، من هيئة خارجية على الأقل، بأن هذا الدنماركي مسلم "لكن زملائي في العمل يستغربون مني قدرتي على تحمل الصوم حتى غياب الشمس في وقت متأخر، ورغم ذلك دخلت مع زميل في تحد فصام من السحور حتى الساعة 12 ظهرا فانهار في موعد الغذاء وراح يقول لبقية الزملاء ممازحا إنه لن يستطيع أن يكون مسلما بسبب الجوع".
قضى هذا الشاب بعض أيام رمضان "قبل سنتين في بيروت، كانت الأجواء مختلفة تماما عما هي عليه هنا، رغم أنك تذهب إلى المسجد، وتلتقي بأخوة لك، إلا أنني حين كنت أفطر مع أهل أصدقاء لي في بيروت كان الجو مختلفا".
وبالنسبة لهيام التي لجأت مع زوجها، منذ 5 سنوات، ويقيمان شمال وسط السويد تقول حرفيا "كلما حاولت تحضير بعض الأطعمة أجد نفسي باكية، وكأنني أعيش فلاش باك، كيف كنا في سورية وكيف أصبحنا في مناطق بالكاد تغيب فيها الشمس".
وتجد أم لطفي التونسية أن "الصوم هنا يختلف بالطبع عن البلد الأصلي، لكنني وبعد 15 سنة، أحاول التوفيق. الآن أصبح لدينا متاجر عربية كثيرة، ويمكنك في الأسواق ملاحظة نفس الحركة التي كنت تراها في بلدك، إذ لا ينقص سوى اللمة".
بعض الصائمين في مناطق الشمال الاسكندنافي تصل ساعات الصوم في مناطقهم إلى حوالي 20 إلى 21 ساعة مع مرور أيام الشهر. وبالنسبة لمحمد وهيام فإنهما سألا " بعض المشايخ في الوقف السويدي وفي مالمو إن كان يمكن الإفطار على توقيت مدن أخرى، انقسمت الآراء، فمنهم من أكد أنه يجب أن نصوم حتى غروب الشمس، وتلك يمكن معرفتها بتطبيقات موجودة حول الشروق والغروب، وبعضهم يجيز الإفطار بحسب المدينة الأقرب".
جدل الصوم الطويل ووقت الإفطار يعود كل رمضان. ويعترف من استطلع "العربي الجديد" آراءهم بأنهم يفطرون بحسب أقرب بلد إسلامي، دون ذكر للبلد "هذا خيار شخصي يحاسبني ربي عليه إن كنت مخطئا"، بحسب ما يذهب أيمن العبد في غرب الدنمارك "فأقرب مدينة فيها مسجد تبعد عني ساعة ونصف، لذا أصوم وأفطر لوحدي، فلا أحد يعيش قريبا مني من المسلمين، ورغم ذلك أجد لطفا من جيراني أنهم يعرفون موعد الإفطار مساء فيمنحني بعضهم عصيرا لذيذا".
تفهم المحيط لرمضان المسلمين، بالرغم من سلبية اليمين القومي المتشدد وتعليقات المتطرفين على وسائل التواصل، ووصول الأمر إلى حد التهديد لسياسيين من أصل تركي، كما حدث مع أوزليم تشيكك، التركية الأصل بتهديدها بالقتل على تويتر بسبب مباركتها للمسلمين في رمضان، لا يمكن إلا ملاحظته حتى على وسائل الإعلام، وصفحات الصحف. ففي اليوم الأول لرمضان كانت معظم صحف وقنوات النرويج والسويد والدنمارك تذكر "بداية شهر الصوم عند المسلمين، رمضان، يبدأ اليوم".
وأفردت صحيفة "إنفارمشيون"، موضوعا خاصا حول رمضان وعاداته. فقد ذهبت إلى عرض "عادات الإفطار تختلف من بلد لآخر، ففي لبنان يقدمون حساء العدس مع البصل المقلي على تناول الحليب مع التمرات التي يجب أن تكون منفردة العدد في دول أخرى، رغم أن بعض المسلمين يقولون إنها لم تثبت كسنة عن نبيهم محمد، بينما السوريون يفضلون شراب عصير المشمش الذي يسمى قمر الدين".
بل إن إنفارمشيون قدمت للقراء تفاصيل عن "استثناءات الصوم، ومن لم يقدر على صوم يوم فعليه أن يطعم فقيرا، بما يقدر بحوالي 50 كرونه في اليوم". وفوق ذلك عرضت الصحيفة على القراء طريقة عمل وطهي الكبة "لمن يرغب تجربة بعض طعام رمضان لدى المسلمين".
رغم ذلك التفهم، يبقى للبعض، من غير المسلمين شكواه من "تغيب البعض عن واجبات محددة بسبب الصوم". ويندلع هذا الجدل كل عام حين تلاحظ المدارس أن تلاميذ صغارا "يتنافسون في الصوم، ما يؤثر على قدراتهم في التركيز، وخصوصا مع وصول درجات الحرارة لفوق العشرين في الأيام الأولى من الشهر". بينما يشكو أيضا مسلمون من "ظاهرة التكاسل وتبرير ممارسات سيئة باسم رمضان".
وعن ذلك يقول الشيخ أبو خالد إن "صوم المسلم يجب أن يقترن بالصوم عن كل ما يسيء للمسلمين والإسلام، ومقاصد الصوم أصلا أن يتحدى الإنسان كل نزواته، وليس من الصوم بشيء أن يكرر بين جملة وأخرى ما يذكر المحيط بأنه صائم، فالغضب والتكاسل ورمي السلبيات على الصوم يضر بالصائم نفسه وبصورة الإسلام ومقاصد الشهر بين المجتمعات الاسكندنافية التي نعيش فيها".
يبقى أن الجامع بين مسلمي اسكندنافيا هذا العام "غصات كثيرة مع استمرار مأساة السوريين، وما يحدث لأخوتنا في فلسطين، وحال العرب مشتتين"، كما تذكر هيام التي تتمنى "أن تعود إلى سورية ويتوقف قتل الشعب وتهجيره، بعد أن كانت أمنياتنا في السابق غير ما هي عليه اليوم بكل أسف، وهو أمر ينعكس على أطفالنا الذين نخشى أنهم يشعرون ببعض العار من حالة العرب، ولا نريد أن نخسرهم".