01 أكتوبر 2022
زياد العليمي .. سجين "الأمل"
أتم زياد العليمي، يوم الجمعة، عامه الأربعين. حدثٌ طالما انتظره أصدقاؤه، وكان يفتح دائماً باباً للتندّر على أن هذا هو العائق الوحيد أمام زياد للترشح لانتخابات الرئاسة، لكنه اليوم باب للحزن، كون زياد سجينا منذ يونيو/ حزيران 2019.
وعلى كثرة العجب في القضايا السياسية في مصر، فإن قضية زياد تميزت بعجبها الخاص، فالإعلام الموالي للسلطة هو الذي سمّاها "خلية الأمل"، وهو اسم القائمة الانتخابية التي كانت تحت التجهيز على يد زياد، بوصفه عضوا في الهيئة العليا للحزب المصري الديمقراطي، وحسام مؤنس، عضو حزب تيار الكرامة الناصري، وغيرهما. حقا هم متهمون "بالأمل"، وهي التهمة التي لم تفارق زياد طوال حياته.
ينتمي زياد لأسرة يسارية عريقة، فوالده الدكتور عبد الحميد العليمي كان من قادة الحركة الطلابية في السبعينيات، وكذلك كانت والدته الصحافية إكرام يوسف وجها بارزا فيها، وما زالت تدعم خيارات ابنها وتفاخر به بكل قوة، موجهة خطابها مرات عدة إلى رفاق اليسار الزائف، مؤيدي السلطة كرهاً في الإخوان المسلمين أو خداعاً للذات.
لم يكن غريبا بهذه النشأة أن يبدأ زياد مساره منذ كان في السادسة عشرة من عمره في المرحلة الثانوية، وأن يتعرّض للاعتقال للمرة الأولى في بداية عشرينياته عام 2003. دخل زياد السياسة من بوابة العمل الطلابي، حيث ساهم في تأسيس اللجنة الطلابية للدفاع عن الحريات، وكذلك لجنة مناصرة الشعب الفلسطيني في جامعة القاهرة، لتتشكل من اللحظة الأولى ملامح تياره. يساري وقومي، ولكن مع استبعاد المكوّنات السلطوية التاريخية.
ساهم زياد في تراكم حراك ما قبل ثورة يناير، حيث كان مشاركا في تأسيس الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية)، ثم الجمعية الوطنية للتغيير، ثم "حملة دعم البرادعي". ولاحقاً في أثناء الثورة كان مؤسساً رئيسياً لائتلاف شباب الثورة، لكنه تجاوز هذه المرحلة فور انتهاء الثورة، حيث وجد الفرصة سانحة لتحقيق رؤيته: تشكيل تنظيم سياسي والترشح لانتخابات نزيهة.
ساهم في تأسيس الحزب المصري الديمقراطي، ليكون ممثلا تيار الاشتراكية الاجتماعية في مصر، حيث تيار يساري غير ناصري في بلدٍ طالما كان يساره تحت سطوة التيارات السلطوية الشمولية، سواء سياسيا في عهد جمال عبد الناصر أو اجتماعياً فيما بعده، وترشح وفاز بالفعل بمقعد في مجلس الشعب (النواب) في 2012. وهنا كان عليه أن يواجه حلفاء الأمس وخصوم اليوم، تعدّدت مشادّاته مع نواب "الإخوان" الذين كانوا يعتبرون أنهم يحظون بدعم المجلس العسكري. وبأهم مشادّاته كاد يفقد مقعده بعد تكتل عشرات النواب المطالبين باعتذاره، أو رفع حصانته، بسبب عبارات تم اعتبارها مسيئة للشيخ محمد حسّان، وأخرى تم اعتبارها سباً للمشير حسين طنطاوي قائد الجيش وقتها! لاحقا، أصبح زياد خصماً رئيسياً للإخوان المسلمين، بعد دخول حزبه عنصراً فاعلاً في جبهة الإنقاذ التي دعت إلى مظاهرات 30 يونيو (صيف 2013)، ولكن ذلك لم يغير من رفضه لاحقاً ظلمهم، وكان في طليعة رافضي فض الاعتصام في ميدان رابعة العدوية من تياره.
لا يحتاج المرء أن يسرد كل هذا التاريخ، للوصول إلى هزلية اتهام زياد في القضية الحالية، بأنه ضالع في شبكةٍ تتعاون مع "الإخوان"، وتتلقى تمويلاً منهم، بغرض "تكدير السلم العام" و"زعزعة الثقة في مؤسسات الدولة"/ وغيرهما من التهم المطّاطة، فمن لا يرى عبر الغربال أعمى كما يقول المصريون، وغربال تهم السلطة هنا يحوي ثقوبا واسعة بلا ريب.
ولكن لعل في سيرة زياد ما يذكّر كل الأطراف، بما فيها بعض مفرطي جلد الذات من شباب الثورة السابقين، بأن هناك وجهاً آخر غير المتظاهرين الأبديين والتطهريين السياسيين.
لم يكن زياد وحده من اتخذ مبكراً جداً مسار العمل السياسي التنظيمي. هو وغيره شاركوا في أحزاب سياسية وانتخابات، وتفاوضوا مع المجلس العسكري و"الإخوان"، حاولوا أن يكونوا ثوريين فكرياً، ولكن إصلاحيين واقعيين حركياً، وهو ما حاول زياد فعله حتى اللحظة الأخيرة، ولكن الطرف المقابل هو الذي يدمّر الطرق بجنازير الدبابات، فلا معنى لتوجيه اللوم الأكبر إلا للطرف الأقوى.
نعرف أن زياد مريض جسدياً في سجنه، لكن روحه لا تمرض، كما نعرف أن الأمل يُسجن، لكنه لا يموت.
ينتمي زياد لأسرة يسارية عريقة، فوالده الدكتور عبد الحميد العليمي كان من قادة الحركة الطلابية في السبعينيات، وكذلك كانت والدته الصحافية إكرام يوسف وجها بارزا فيها، وما زالت تدعم خيارات ابنها وتفاخر به بكل قوة، موجهة خطابها مرات عدة إلى رفاق اليسار الزائف، مؤيدي السلطة كرهاً في الإخوان المسلمين أو خداعاً للذات.
لم يكن غريبا بهذه النشأة أن يبدأ زياد مساره منذ كان في السادسة عشرة من عمره في المرحلة الثانوية، وأن يتعرّض للاعتقال للمرة الأولى في بداية عشرينياته عام 2003. دخل زياد السياسة من بوابة العمل الطلابي، حيث ساهم في تأسيس اللجنة الطلابية للدفاع عن الحريات، وكذلك لجنة مناصرة الشعب الفلسطيني في جامعة القاهرة، لتتشكل من اللحظة الأولى ملامح تياره. يساري وقومي، ولكن مع استبعاد المكوّنات السلطوية التاريخية.
ساهم زياد في تراكم حراك ما قبل ثورة يناير، حيث كان مشاركا في تأسيس الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية)، ثم الجمعية الوطنية للتغيير، ثم "حملة دعم البرادعي". ولاحقاً في أثناء الثورة كان مؤسساً رئيسياً لائتلاف شباب الثورة، لكنه تجاوز هذه المرحلة فور انتهاء الثورة، حيث وجد الفرصة سانحة لتحقيق رؤيته: تشكيل تنظيم سياسي والترشح لانتخابات نزيهة.
ساهم في تأسيس الحزب المصري الديمقراطي، ليكون ممثلا تيار الاشتراكية الاجتماعية في مصر، حيث تيار يساري غير ناصري في بلدٍ طالما كان يساره تحت سطوة التيارات السلطوية الشمولية، سواء سياسيا في عهد جمال عبد الناصر أو اجتماعياً فيما بعده، وترشح وفاز بالفعل بمقعد في مجلس الشعب (النواب) في 2012. وهنا كان عليه أن يواجه حلفاء الأمس وخصوم اليوم، تعدّدت مشادّاته مع نواب "الإخوان" الذين كانوا يعتبرون أنهم يحظون بدعم المجلس العسكري. وبأهم مشادّاته كاد يفقد مقعده بعد تكتل عشرات النواب المطالبين باعتذاره، أو رفع حصانته، بسبب عبارات تم اعتبارها مسيئة للشيخ محمد حسّان، وأخرى تم اعتبارها سباً للمشير حسين طنطاوي قائد الجيش وقتها! لاحقا، أصبح زياد خصماً رئيسياً للإخوان المسلمين، بعد دخول حزبه عنصراً فاعلاً في جبهة الإنقاذ التي دعت إلى مظاهرات 30 يونيو (صيف 2013)، ولكن ذلك لم يغير من رفضه لاحقاً ظلمهم، وكان في طليعة رافضي فض الاعتصام في ميدان رابعة العدوية من تياره.
لا يحتاج المرء أن يسرد كل هذا التاريخ، للوصول إلى هزلية اتهام زياد في القضية الحالية، بأنه ضالع في شبكةٍ تتعاون مع "الإخوان"، وتتلقى تمويلاً منهم، بغرض "تكدير السلم العام" و"زعزعة الثقة في مؤسسات الدولة"/ وغيرهما من التهم المطّاطة، فمن لا يرى عبر الغربال أعمى كما يقول المصريون، وغربال تهم السلطة هنا يحوي ثقوبا واسعة بلا ريب.
ولكن لعل في سيرة زياد ما يذكّر كل الأطراف، بما فيها بعض مفرطي جلد الذات من شباب الثورة السابقين، بأن هناك وجهاً آخر غير المتظاهرين الأبديين والتطهريين السياسيين.
لم يكن زياد وحده من اتخذ مبكراً جداً مسار العمل السياسي التنظيمي. هو وغيره شاركوا في أحزاب سياسية وانتخابات، وتفاوضوا مع المجلس العسكري و"الإخوان"، حاولوا أن يكونوا ثوريين فكرياً، ولكن إصلاحيين واقعيين حركياً، وهو ما حاول زياد فعله حتى اللحظة الأخيرة، ولكن الطرف المقابل هو الذي يدمّر الطرق بجنازير الدبابات، فلا معنى لتوجيه اللوم الأكبر إلا للطرف الأقوى.
نعرف أن زياد مريض جسدياً في سجنه، لكن روحه لا تمرض، كما نعرف أن الأمل يُسجن، لكنه لا يموت.