01 أكتوبر 2022
سيادة الدكتاتور المناضل
واحد وعلى يساره 14 صفراً هو الرقم الذي كانت تحمله أعجب عملة في العالم، الدولار الزيمبابوي الذي وصل به التضخّم المذهل إلى حد أن طُبعت آخر عملة منه بقيمة 100 تريليون دولار، وهي القيمة التي لم تكن كافيةً لاستقلال حافلة عامة، وذلك قبل أن تقرر الحكومة عام 2009 استبدال العملية المحلية بالراند جنوب الأفريقي أو بالدولار الأميركي.
كان الرئيس الزيمبابوي، روبرت موغابي، محظوظاً حقاً، فقد فاز بالجائزة الكبرى في يانصيب شركة زيمبابوي المصرفية عام 2000 قبل تفاقم ذلك الجنون. جاء في بيان المصرف، وقتها، أن القائم على السحب لم يصدّق عينيه، عندما شاهد اسم سيادة الرئيس على البطاقة التي سُحبت بالمصادفة البحتة. سبحان الله.
الانهيار الكبير أتى مع بداية الألفية، قرّر الرئيس انتزاع ملكية الأراضي من المزارعين ذوي الأصل الأوروبي، سعياً إلى "تصحيح العدالة الإمبريالية" التي أدت إلى سيطرة المواطنين البيض على 70% من الأراضي الزراعية، لكن ما حدث هو انهيار الإنتاج الزراعي، بسبب عدم خبرة من تسلموا الأراضي، وضعف إمكانات وكفاءة الجهاز الإداري في الدولة، كما تعرّضت زيمبابوي لعقوبات اقتصادية أوروبية.
تزامن ذلك مع مغامرةٍ عسكرية في الكونغو، حيث أرسل الجيش لدعم حليفه كابيلا ضد المتمردين. استخدم موغابي بدوره خطاباً إمبريالياً خاصاً به، حيث برّر تدخله العسكري بـ"حماية مصالح حيوية لزيمبابوي في الكونغو"، هذه المصالح هي استثمارات لرجال أعمال قريبين من النظام، بالإضافة إلى الكهرباء الواردة من سد إنجا. أعلن بعدها أن الجنود العائدين سيحظون بأفضليةٍ في الحصول على أراضي البيض "لأنهم جلبوا الشرف والفخر للوطن".
لكن هذه الحرب أثقلت الميزانية الفقيرة بمئات ملايين الدولارات، وأتى الانهيار بجناحيه، التضخم والبطالة التي وصلت، حسب جهاتٍ معارضةٍ ودوليةٍ معارضةٍ، إلى 95% من السكان، بينما قال موغابي قبل ترشّحه للفترة السادسة إنها 60% فقط.
في السنوات الأخيرة، تكرّر تظاهر الشباب الذين لم يعيشوا أيام نضال الزعيم الملهم، فواجههم الزعيم بآلاف حالات الاعتقال والاختفاء القسري والتعذيب، وتعديل قوانين الإعلام. خلال الأسبوع الماضي، عادت المظاهرات لتشكل الاحتجاجات الأكبر منذ عشر سنوات، بعد انتشار فيديو تعذّب فيه الشرطة مواطنين منهم امرأة، وأيضاً بعد اعتقال القس إيفان موراري، بتهمة محاولة الإطاحة بالحكومة المنتخبة، وذلك بعد تأسيسه حملة "هذا العلم" على موقع فيسبوك التي دعت المواطنين إلى الإضراب العام.
لكن موغابي، البالغ 92 عاماً، لم يكن دائماً بهذه البشاعة. كان الشاب روبرت شخصاً آخر، طموحاً شغوفاً بالعلم، نال 8 شهادات في التربية والاقتصاد والقانون من أرقى جامعات أفريقيا أو بالمراسلة من لندن، ثم عاد إلى بلاده عام 1960، ليبدأ النضال ضد الاستعمار البريطاني. كان يدعو شعبه إلى الحرية التي عشقها من معاصرته تجربة نكروما في غانا. دفع ثمن إخلاصه غالياً، عشر سنوات في السجن، من 1964 حتى 1974، لكنه لم ينكسر، وواصل مسيرته البطولية، فتولى قيادة جيش التحرير الزيمبابوي. وبعد سنوات من القتال والتفاوض، انتصرت إرادة الشعب أخيراً، عاد إلى بلاده عام 1980، وتولى الرئاسة عام 1987. كانت الفترة الرئاسية الأولى موفقة، حافظ على السلم الأهلي، وعقد مصالحةً تنهي قتالاً دموياً بين عرقيتيّ الشونا وإندبيلي، وبدأ مشاريع البنية الأساسية.
يتذكّر مؤيدو موغابي، الذين يعتدون على معارضيه في الشوارع باعتبارهم خونة، بفخر ٍ ماضي رئيسهم وسنوات حكمه الأولى، ويصدّقونه تماماً بأن سبب كل ما حدث الحصار الغربي، لأن الأوروبيين غضبوا من انتزاع الزعيم الأراضي التي سرقوها. المؤامرة أسهل من التفكير المُركّب الذي يمكن أن يجمع بين تصديق تاريخ النضال وتصديق دور إرث الاستعمار والتدخلات الغربية، كما يصدق تماماً، في الوقت نفسه، أن يتحوّل الشاب الوطني المخلص إلى دكتاتور مخبول، يغازل المشاعر الأخلاقية، قائلاً إنه سيتقدّم للزواج من أوباما بعد إقرار زواج المثليين، ويخطب في مظاهرةٍ لأنصاره قائلاً إنه سيحكم حتى يبلغ 100 عام، لأنه ما زال قادراً على العمل من أجل زيمبابوي. خمر السلطة مُسكر.
كان الرئيس الزيمبابوي، روبرت موغابي، محظوظاً حقاً، فقد فاز بالجائزة الكبرى في يانصيب شركة زيمبابوي المصرفية عام 2000 قبل تفاقم ذلك الجنون. جاء في بيان المصرف، وقتها، أن القائم على السحب لم يصدّق عينيه، عندما شاهد اسم سيادة الرئيس على البطاقة التي سُحبت بالمصادفة البحتة. سبحان الله.
الانهيار الكبير أتى مع بداية الألفية، قرّر الرئيس انتزاع ملكية الأراضي من المزارعين ذوي الأصل الأوروبي، سعياً إلى "تصحيح العدالة الإمبريالية" التي أدت إلى سيطرة المواطنين البيض على 70% من الأراضي الزراعية، لكن ما حدث هو انهيار الإنتاج الزراعي، بسبب عدم خبرة من تسلموا الأراضي، وضعف إمكانات وكفاءة الجهاز الإداري في الدولة، كما تعرّضت زيمبابوي لعقوبات اقتصادية أوروبية.
تزامن ذلك مع مغامرةٍ عسكرية في الكونغو، حيث أرسل الجيش لدعم حليفه كابيلا ضد المتمردين. استخدم موغابي بدوره خطاباً إمبريالياً خاصاً به، حيث برّر تدخله العسكري بـ"حماية مصالح حيوية لزيمبابوي في الكونغو"، هذه المصالح هي استثمارات لرجال أعمال قريبين من النظام، بالإضافة إلى الكهرباء الواردة من سد إنجا. أعلن بعدها أن الجنود العائدين سيحظون بأفضليةٍ في الحصول على أراضي البيض "لأنهم جلبوا الشرف والفخر للوطن".
لكن هذه الحرب أثقلت الميزانية الفقيرة بمئات ملايين الدولارات، وأتى الانهيار بجناحيه، التضخم والبطالة التي وصلت، حسب جهاتٍ معارضةٍ ودوليةٍ معارضةٍ، إلى 95% من السكان، بينما قال موغابي قبل ترشّحه للفترة السادسة إنها 60% فقط.
في السنوات الأخيرة، تكرّر تظاهر الشباب الذين لم يعيشوا أيام نضال الزعيم الملهم، فواجههم الزعيم بآلاف حالات الاعتقال والاختفاء القسري والتعذيب، وتعديل قوانين الإعلام. خلال الأسبوع الماضي، عادت المظاهرات لتشكل الاحتجاجات الأكبر منذ عشر سنوات، بعد انتشار فيديو تعذّب فيه الشرطة مواطنين منهم امرأة، وأيضاً بعد اعتقال القس إيفان موراري، بتهمة محاولة الإطاحة بالحكومة المنتخبة، وذلك بعد تأسيسه حملة "هذا العلم" على موقع فيسبوك التي دعت المواطنين إلى الإضراب العام.
لكن موغابي، البالغ 92 عاماً، لم يكن دائماً بهذه البشاعة. كان الشاب روبرت شخصاً آخر، طموحاً شغوفاً بالعلم، نال 8 شهادات في التربية والاقتصاد والقانون من أرقى جامعات أفريقيا أو بالمراسلة من لندن، ثم عاد إلى بلاده عام 1960، ليبدأ النضال ضد الاستعمار البريطاني. كان يدعو شعبه إلى الحرية التي عشقها من معاصرته تجربة نكروما في غانا. دفع ثمن إخلاصه غالياً، عشر سنوات في السجن، من 1964 حتى 1974، لكنه لم ينكسر، وواصل مسيرته البطولية، فتولى قيادة جيش التحرير الزيمبابوي. وبعد سنوات من القتال والتفاوض، انتصرت إرادة الشعب أخيراً، عاد إلى بلاده عام 1980، وتولى الرئاسة عام 1987. كانت الفترة الرئاسية الأولى موفقة، حافظ على السلم الأهلي، وعقد مصالحةً تنهي قتالاً دموياً بين عرقيتيّ الشونا وإندبيلي، وبدأ مشاريع البنية الأساسية.
يتذكّر مؤيدو موغابي، الذين يعتدون على معارضيه في الشوارع باعتبارهم خونة، بفخر ٍ ماضي رئيسهم وسنوات حكمه الأولى، ويصدّقونه تماماً بأن سبب كل ما حدث الحصار الغربي، لأن الأوروبيين غضبوا من انتزاع الزعيم الأراضي التي سرقوها. المؤامرة أسهل من التفكير المُركّب الذي يمكن أن يجمع بين تصديق تاريخ النضال وتصديق دور إرث الاستعمار والتدخلات الغربية، كما يصدق تماماً، في الوقت نفسه، أن يتحوّل الشاب الوطني المخلص إلى دكتاتور مخبول، يغازل المشاعر الأخلاقية، قائلاً إنه سيتقدّم للزواج من أوباما بعد إقرار زواج المثليين، ويخطب في مظاهرةٍ لأنصاره قائلاً إنه سيحكم حتى يبلغ 100 عام، لأنه ما زال قادراً على العمل من أجل زيمبابوي. خمر السلطة مُسكر.