صنم الهيبة

كان وسيظل تحجيم الفضاء العام هدفاً للاستبداد في كل زمان ومكان، فأحد الهموم الرئيسية للمستبد ومنظومته أن يشغل الفرد بهمومه الشخصية عن الهموم الوطنية الجامعة، وأن يشغله بالخاص على حساب العام، فلا يكاد يفيق من همّ الحصول على لقمة العيش لهمّ الحرية والكرامة.

وكنتيجة لذلك يكون مدار كثير من نضالات المناضلين تحرير الفضاء العام المحتل من قبل الدولة/السلطة كوسيلة لتيسير التشبيك والتنظيم بين المهتمين من جهة وإعادة بناء فرص نجاح الفعل التواصلي المبني على التفاهم والتواصل من جهة أخرى، هادفين إلى الوصول لإجماع على رؤية نحو القضايا التي تواجه المجتمع.

يرتبط هذا بشكل وثيق بفكرة هيبة الدولة، التي يكسرها بنجاح فضاء عام مُحرر يمِّكن لهيبة المواطنين عبر منظومة من الديمقراطية والعدالة والقانون كأسس ثلاثة ناظمة للعلاقة بين المواطن والدولة. يتناسى صانعو صنم هيبة الدولة أنها توصف أحياناً بالحيلة القانونية التي لجأ إليها البشر لتنظيم أمورهم، أي للتخديم عليهم وتوفير احتياجاتهم، لا العكس، وبالتالي فإن تحرير الفضاء العام هو الخطوة الأهم في مسار تحرير الأوطان، وهو دائماً لا يُوهب أو يُهدى بل ينتزع انتزاعاً، وهذا مفاد القول.