01 أكتوبر 2022
عالم ما بعد كورونا ليس الأفضل بالضرورة
نقرأ، في منشور إرشادي أصدرته الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية، تفاصيل مطوّلة عن أبواب خلفية يمكن أن يستخدمها الصحافيون في مواجهة الرفض أو التلاعب الحكومي لعدم تلبية الطلبات المستندة لقوانين "حرية تداول المعلومات". وعلى الرغم من أن هذه القوانين تلزم الحكومات بالإفصاح عن أية معلومة أو وثيقة تتلقى طلباً بشأنها من أي مواطن، إلا أن حكوماتٍ عديدة تفننت في استغلال ثغراتها في السنوات الأخيرة. في السابق، كان النمط المتكرّر هو عدم كشف تفاصيل صفقات أسلحة، بحجة أنها تخضع لاستثناء تهديد "الأمن القومي"، واليوم دخل كورونا على الخط.
على سبيل المثال، رفضت مستشفيات في مدينة بورتلاند في ولاية أوريجون الأميركية أن تكشف عن الحصيلة اليومية لمرضى فيروس كورونا، كما تهرّب المسؤولون الأستراليون من نشر نماذج التنبؤ الخاصة بالوباء في بلدهم. في مقال صارخ، رفض مسؤولو ولاية آيوا الأميركية الكشف عن حجم أدوات الحماية الشخصية الجديدة (كالكمّامات والملابس الواقية)، وذلك بحجة أنها تقع تحت طائلة "السرّية" باعتبارها جزءاً من "بروتوكولات الولاية الخاصة بالطوارئ".
وبينما تسرد "الشبكة العالمية" ما على الصحافي فعله بشأن صياغة الطلبات، واختيار الجهات التي يمكن إرسالها إليها، والأسئلة بالغة التحديد والدقة، فإنها تطرح أيضاً خيار التقاضي حال رفضت الحكومات. مثلاً، رفع موقع "باظ فيد" الأميركي دعوى قضائية لإلزام جهاتٍ، منها وكالة الطوارئ الفيدرالية ومركز مكافحة الأمراض المعدية، لكشف وثائق منها رسائل البريد الإلكتروني الداخلية التي تشير إلى الفيروس من 7 يناير/ كانون الثاني إلى 14 فبراير/ شباط.
يبدو هذا نموذجاً لتعزيز السلطوية في قلب الدول الديمقراطية، ويتسق ذلك مع استطلاعات الرأي التي أشارت إلى تصاعد التأييد الشعبي لزعماء أغلب الدول الديمقراطية الكبرى أو ثباته، وكذلك مع الأمر الواقع لاستقرار نظامي الحكم السلطويين في الصين وروسيا. وفي العالم العربي، وحيث لا توجد قوانين "حرية تداول المعلومات" في المجمل، نشهد انتهازاً لفرصة انشغال العالم للتوسع في مزيد من إحكام السيطرة، باعتقال المعارضين كما في مصر، أو بمحاولة تحصيل مكاسب عسكرية كما في ليبيا واليمن.
عبر التاريخ حملت الكوارث احتمالين للتغيرات الكبرى، أن يتم توظيفها لتتحول دعماً للتيارات الشعبوية، كما في حالة الحرب العالمية الأولى التي أسفرت عن صعود الفاشية والنازية، أو أن تتحوّل درساً قاسياً كما في حالة الحرب العالمية الثانية التي أدّت إلى أوسع تصاعد لحراك الحقوق السياسية والشخصية في العالم.
ما زالت الاحتمالات مفتوحة. شعبية ترامب التي كانت قد ارتفعت في استطلاع مؤسسة جالوب إلى بين 13 و22 مارس/ آذار إلى 49% بفعل القرارات التي اتخذها، عادت إلى الانخفاض إلى 43%. وتاريخياً، كثيراً ما تشهد الكوارث هذه التأرجحات. مثلاً، خرج ملايين المصريين دعماً لجمال عبد الناصر، طالبين ألا يتنحّى في 1967، ثم في فبراير/ شباط 1968 خرجت مظاهرات حاشدة تهتف ضده شخصياً، للمرة الأولى، بعد أحكام غير مرضية لقادة سلاح الطيران في الجيش.
بعض المنتمين إلى القوى الديمقراطية شرقاً وغرباً أسرفوا في التفاؤل، باعتبار أن طبيعة الأمور هي أن تسفر الجائحة عن صعود عالمي لسياسات السلام، والعدالة الاجتماعية، والإنفاق على الخدمات العامة، بل وحماية البيئة. وعلى أرض الواقع، لا يوجد ما يجعل هذا السيناريو إلزامياً من دون بذل جهود حثيثة لأجله، أولها الصراع الجاد حول السردية العلمية والسياسية للأحداث، في مواجهة خطابٍ شعبويٍّ شرقاً وغرباً، يضعها في إطار مؤامرة من المعسكر المقابل، أو في إطار القدر الإلهي، وثانيها تقديم سياسات بديلة.
ومن المؤسف هنا الاعتراف أن مصير العالم ومصير بلادنا معلق بشكل رئيسي بقدرة القوى الديمقراطية بدول المركز لا بدولنا العربية، على الرغم من كل الجهود والتضحيات المبذولة.
العالم الأفضل بعد كورونا لن يولد تلقائياً.
وبينما تسرد "الشبكة العالمية" ما على الصحافي فعله بشأن صياغة الطلبات، واختيار الجهات التي يمكن إرسالها إليها، والأسئلة بالغة التحديد والدقة، فإنها تطرح أيضاً خيار التقاضي حال رفضت الحكومات. مثلاً، رفع موقع "باظ فيد" الأميركي دعوى قضائية لإلزام جهاتٍ، منها وكالة الطوارئ الفيدرالية ومركز مكافحة الأمراض المعدية، لكشف وثائق منها رسائل البريد الإلكتروني الداخلية التي تشير إلى الفيروس من 7 يناير/ كانون الثاني إلى 14 فبراير/ شباط.
يبدو هذا نموذجاً لتعزيز السلطوية في قلب الدول الديمقراطية، ويتسق ذلك مع استطلاعات الرأي التي أشارت إلى تصاعد التأييد الشعبي لزعماء أغلب الدول الديمقراطية الكبرى أو ثباته، وكذلك مع الأمر الواقع لاستقرار نظامي الحكم السلطويين في الصين وروسيا. وفي العالم العربي، وحيث لا توجد قوانين "حرية تداول المعلومات" في المجمل، نشهد انتهازاً لفرصة انشغال العالم للتوسع في مزيد من إحكام السيطرة، باعتقال المعارضين كما في مصر، أو بمحاولة تحصيل مكاسب عسكرية كما في ليبيا واليمن.
عبر التاريخ حملت الكوارث احتمالين للتغيرات الكبرى، أن يتم توظيفها لتتحول دعماً للتيارات الشعبوية، كما في حالة الحرب العالمية الأولى التي أسفرت عن صعود الفاشية والنازية، أو أن تتحوّل درساً قاسياً كما في حالة الحرب العالمية الثانية التي أدّت إلى أوسع تصاعد لحراك الحقوق السياسية والشخصية في العالم.
ما زالت الاحتمالات مفتوحة. شعبية ترامب التي كانت قد ارتفعت في استطلاع مؤسسة جالوب إلى بين 13 و22 مارس/ آذار إلى 49% بفعل القرارات التي اتخذها، عادت إلى الانخفاض إلى 43%. وتاريخياً، كثيراً ما تشهد الكوارث هذه التأرجحات. مثلاً، خرج ملايين المصريين دعماً لجمال عبد الناصر، طالبين ألا يتنحّى في 1967، ثم في فبراير/ شباط 1968 خرجت مظاهرات حاشدة تهتف ضده شخصياً، للمرة الأولى، بعد أحكام غير مرضية لقادة سلاح الطيران في الجيش.
بعض المنتمين إلى القوى الديمقراطية شرقاً وغرباً أسرفوا في التفاؤل، باعتبار أن طبيعة الأمور هي أن تسفر الجائحة عن صعود عالمي لسياسات السلام، والعدالة الاجتماعية، والإنفاق على الخدمات العامة، بل وحماية البيئة. وعلى أرض الواقع، لا يوجد ما يجعل هذا السيناريو إلزامياً من دون بذل جهود حثيثة لأجله، أولها الصراع الجاد حول السردية العلمية والسياسية للأحداث، في مواجهة خطابٍ شعبويٍّ شرقاً وغرباً، يضعها في إطار مؤامرة من المعسكر المقابل، أو في إطار القدر الإلهي، وثانيها تقديم سياسات بديلة.
ومن المؤسف هنا الاعتراف أن مصير العالم ومصير بلادنا معلق بشكل رئيسي بقدرة القوى الديمقراطية بدول المركز لا بدولنا العربية، على الرغم من كل الجهود والتضحيات المبذولة.
العالم الأفضل بعد كورونا لن يولد تلقائياً.