28 يناير 2024
فدوى تصعد إلى الشام
دعوا فدوى سليمان، أيقونة الثورة السورية، تغمض عينيها، فالموت قد يكون خيارًا لفارسةٍ تعرف أن العالم الآخر الذي ستصعد إليه هو، أيضًا، الشام.. والشام فقط.
دعوا تلك الزنبقة السورية تستعيد لحظتها الفارقة، حين ترجلت عن خشبة المسرح، للمرة الأولى في حياتها، لتشارك جماهير حمص هتافاتها ضد الطغاة، هي التي كان في وسعها أن تواصل التمثيل على نفسها أولًا قبل غيرها، غير أنها اكتشفت أنها لن تكون أكثر من "كومبارس" على مسرح الدمى، يحرّكها طاغية كيف شاء له جنون عظمته أن يفعل، فآثرت أن تؤدّي الدور، هذه المرّة، على خشبة الحياة.
وكان الثمن فادحًا، لأن المُخرج هو الجماهير ذاتها التي حرّكت فدوى لتكون أيقونتها، وأرادت أن ترى بأم عينيها كيف يكون الممثل بطلًا على صخرة الواقع، لا على خشبة المسرح فحسب، فلم تخيب آمال الجماهير بها، وكانت في مقدمة التظاهرات المنادية بإسقاط الطاغية.
ولعل من حسن طالع فدوى أنها عاصرت براءة الثورة في بداية تفتّحها، حين كانت ثورة شعبية فقط لا يحرّكها غير توقها للخلاص من الطغيان والاستبداد، بعد أن انتقلت إليها شعلة الربيع العربي من القاهرة وتونس وطرابلس وصنعاء، فامتزجت مع عفويتها وطهرها، ورأت فيها خشبة خلاص، كما كانت ترى في المسرح خشبة وعي، فتوحدت الخشبتان معًا، ورأيناها تتقدم المسيرات، وتطلق الهتافات، وتتحدّى أعتى أنظمة الاستبداد رعبًا في العالم، وهي تدرك جيدًا أي مصيرٍ ينتظرها لو وقعت في براثنه، فخاتمة المشهد التراجيدي على الخشبة الأخرى، لا قيامة بعدها، ولا تصفيق، بل عذاب يقف له ذهولاً ملائكة جهنم ذاتها.
أما سوء طالع فدوى الذي تلا حسنه، فهو صدمتها حين تلوّثت الثورة بالنفط من دول عربية ماكرة، خشيت على نفسها من ثورات الربيع العربي المتناسلة تباعًا، فأرادت أن تجعل من الثورة السورية عبرةً دامية، حتى لا يفكر شعب عربي بالثورة على طغاته مجدّدًا، فالتفّت على هذه الثورة النقية بطريقةٍ خبيثة، حين زيّنت لها أن تسلك طريق العسكرة واستخدام السلاح، وراحت تمدّها بمقاتلين ملتحين من جميع أرجاء العالم، على قاعدة محاربة "كفر النظام"، وأسبغت على الثورة طابعا إسلامويًّا، على الرغم من أن الثورة قامت أساسًا ضد استبداد النظام وليس كفره، ولو كان عادلًا يحترم حقوق شعبه ويقدّسها، لما اندلعت الثورة أساسًا، فاختلط حابل اللحى المزيّفة بنابل الثورة الجماهيرية النقية، لتنحرف الأخيرة عن مسارها الشعبيّ، وتدخل في نفق التناحر الطائفي الذي قادها، في آخر الأمر، إلى خسارة الشارع السوري نفسه، الذي وجد نفسه محاصرًا بين رعبين، لا يقل أحدهما وحشيةً عن الآخر.
آنذاك، شعرت فدوى أن "المسرح" الذي انحازت له لم يعد مسرحها، فآثرت الرحيل مشيًا على الأوجاع عبر الحدود إلى الأردن، ومنها إلى فرنسا، لكن من دون أن تفقد إيمانها بالثورة الأولى، وحتمية التغيير وزوال الطغيان. ومن باريس، واصلت نضالها ضد النظام المرعب في دمشق، وفي قلبها حسرة داخلية على مآل الثورة المخيّب في وطنها.
ومع الهتاف البعيد، استفحلت الحسرة، لتتحوّل إلى سرطان ينهش جسدها. لكن من دون أن ينال من فضاء المسرح الكبير الذي آمنت به، ودافعت عنه ببطولةٍ أنثوية قل نظيرها.
والآن، تغمض فدوى عينيها كياسمينتين دمشقيتين، وتصعد روحها إلى حماة، بعد أن تحقق لها الكشف الأخير عن العالم الآخر الذي لن يكون إلا الوطن الذي دافعت عنه حتى النهاية.
والآن، تصعد فدوى إلى شامٍ بلا طغاة، ولا عسس، ولن يكون أمامها إلا مسرحٌ تصعد خشباته بثقة أمام جمهورٍ ملائكيّ، يصفق لها بالأجنحة، ويتبعها "بردى" الذي استعاد ماءه على وقع هتافها، ليعثر في جنة شامها، أخيرًا، على مصبّه الأخير.
دعوا تلك الزنبقة السورية تستعيد لحظتها الفارقة، حين ترجلت عن خشبة المسرح، للمرة الأولى في حياتها، لتشارك جماهير حمص هتافاتها ضد الطغاة، هي التي كان في وسعها أن تواصل التمثيل على نفسها أولًا قبل غيرها، غير أنها اكتشفت أنها لن تكون أكثر من "كومبارس" على مسرح الدمى، يحرّكها طاغية كيف شاء له جنون عظمته أن يفعل، فآثرت أن تؤدّي الدور، هذه المرّة، على خشبة الحياة.
وكان الثمن فادحًا، لأن المُخرج هو الجماهير ذاتها التي حرّكت فدوى لتكون أيقونتها، وأرادت أن ترى بأم عينيها كيف يكون الممثل بطلًا على صخرة الواقع، لا على خشبة المسرح فحسب، فلم تخيب آمال الجماهير بها، وكانت في مقدمة التظاهرات المنادية بإسقاط الطاغية.
ولعل من حسن طالع فدوى أنها عاصرت براءة الثورة في بداية تفتّحها، حين كانت ثورة شعبية فقط لا يحرّكها غير توقها للخلاص من الطغيان والاستبداد، بعد أن انتقلت إليها شعلة الربيع العربي من القاهرة وتونس وطرابلس وصنعاء، فامتزجت مع عفويتها وطهرها، ورأت فيها خشبة خلاص، كما كانت ترى في المسرح خشبة وعي، فتوحدت الخشبتان معًا، ورأيناها تتقدم المسيرات، وتطلق الهتافات، وتتحدّى أعتى أنظمة الاستبداد رعبًا في العالم، وهي تدرك جيدًا أي مصيرٍ ينتظرها لو وقعت في براثنه، فخاتمة المشهد التراجيدي على الخشبة الأخرى، لا قيامة بعدها، ولا تصفيق، بل عذاب يقف له ذهولاً ملائكة جهنم ذاتها.
أما سوء طالع فدوى الذي تلا حسنه، فهو صدمتها حين تلوّثت الثورة بالنفط من دول عربية ماكرة، خشيت على نفسها من ثورات الربيع العربي المتناسلة تباعًا، فأرادت أن تجعل من الثورة السورية عبرةً دامية، حتى لا يفكر شعب عربي بالثورة على طغاته مجدّدًا، فالتفّت على هذه الثورة النقية بطريقةٍ خبيثة، حين زيّنت لها أن تسلك طريق العسكرة واستخدام السلاح، وراحت تمدّها بمقاتلين ملتحين من جميع أرجاء العالم، على قاعدة محاربة "كفر النظام"، وأسبغت على الثورة طابعا إسلامويًّا، على الرغم من أن الثورة قامت أساسًا ضد استبداد النظام وليس كفره، ولو كان عادلًا يحترم حقوق شعبه ويقدّسها، لما اندلعت الثورة أساسًا، فاختلط حابل اللحى المزيّفة بنابل الثورة الجماهيرية النقية، لتنحرف الأخيرة عن مسارها الشعبيّ، وتدخل في نفق التناحر الطائفي الذي قادها، في آخر الأمر، إلى خسارة الشارع السوري نفسه، الذي وجد نفسه محاصرًا بين رعبين، لا يقل أحدهما وحشيةً عن الآخر.
آنذاك، شعرت فدوى أن "المسرح" الذي انحازت له لم يعد مسرحها، فآثرت الرحيل مشيًا على الأوجاع عبر الحدود إلى الأردن، ومنها إلى فرنسا، لكن من دون أن تفقد إيمانها بالثورة الأولى، وحتمية التغيير وزوال الطغيان. ومن باريس، واصلت نضالها ضد النظام المرعب في دمشق، وفي قلبها حسرة داخلية على مآل الثورة المخيّب في وطنها.
ومع الهتاف البعيد، استفحلت الحسرة، لتتحوّل إلى سرطان ينهش جسدها. لكن من دون أن ينال من فضاء المسرح الكبير الذي آمنت به، ودافعت عنه ببطولةٍ أنثوية قل نظيرها.
والآن، تغمض فدوى عينيها كياسمينتين دمشقيتين، وتصعد روحها إلى حماة، بعد أن تحقق لها الكشف الأخير عن العالم الآخر الذي لن يكون إلا الوطن الذي دافعت عنه حتى النهاية.
والآن، تصعد فدوى إلى شامٍ بلا طغاة، ولا عسس، ولن يكون أمامها إلا مسرحٌ تصعد خشباته بثقة أمام جمهورٍ ملائكيّ، يصفق لها بالأجنحة، ويتبعها "بردى" الذي استعاد ماءه على وقع هتافها، ليعثر في جنة شامها، أخيرًا، على مصبّه الأخير.