08 نوفمبر 2024
في ضرورة المصالحة الفلسطينية
لم تفضِ ورشةُ البحرين إلى ما كانت تنتظره الأطرافُ المعنيةُ بتسويق مخرجاتها، على الأقل ظاهريا. وقد كان لمقاطعة الفلسطينيين لها، ورفضهم اختزال قضيتهم في شق اقتصادي، وتجاوز جذورها السياسية والتاريخية والإنسانية، بالغ الأثر في إخفاق هذه الورشة في تحقيق ما كانت تصبو إليه. غير أن هذا الإخفاق، على أهميته الظرفية للفلسطينيين، لا يُخفي أن هناك واقعا جديدا لا يمكن التغاضي عنه، فقد نجحت إسرائيل في إحداث ثغرة نوعية في النظام الرسمي العربي، فاللقاءات الإسرائيلية العربية التي كانت سرّاً أضحت الآن علنيةً، بل أكثر من ذلك أصبح لها غطاء سياسي وإعلامي، يتكفل به الإعلام العربي الفاسد، المدعوم من محور الثورة المضادة. ولا تعني هذه الثغرة في السياسة الإسرائيلية غير خطوة أخرى على درب توسيع هوامش التطبيع السياسي والثقافي والنفسي بين البلدان العربية وإسرائيل، بما يُشكله ذلك بالنسبة للأخيرة من عوائد استراتيجية.
يعيد هذا الوضع إلى الواجهة أهمية المصالحة الفلسطينية، باعتبارها ضرورة استراتيجية، ليس فقط على صعيد إنهاءِ الانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس، وتجاوزِ خلافاتهما التي ترهن الملف الفلسطيني لإرادات القوى الإقليمية ومصالحها، وإنما أيضا لأن تأخر هذه المصالحة سيؤدي إلى تعويم القضية الفلسطينية وسط وضع إقليمي مضطرب، يصب في مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة لتمرير صفقة القرن وشرعنتها، فاستمرار هذا الانقسام، وغياب الحد الأدنى من التوافق الوطني بين مختلف الفصائل، وعجز الأخيرة عن تقديم مراجعات شاملة لأدائها السياسي والميداني طوال العقود الثلاثة المنصرمة التي تلت إعلان الجزائر 1988، ذلك كله من شأنه أن يساعد أكثر على تسويق صورة عن الفلسطينيين شعبا يفتقد إلى مقومات السيادة التي تسمح له بتأسيس دولته الوطنية المستقلة.
على الفاعل الفلسطيني أن يعيد بناء رؤيته للصراع وفق المتغيرات الحاصلة في المنطقة، وأساسا في ما له صلة باختلال موازين القوى نتيجة الدعم الأميركي لإسرائيل، وانتقال أنظمةٍ عربية معلومة إلى طور غير مسبوق في التطبيع مع إسرائيل، والتراجع الظرفي للاهتمام الشعبي العربي بالقضية الفلسطينية نتيجة تداعيات الربيع العربي. بمعنى أن هذا الفاعل مدعو، أكثر من أي وقت مضى، لقراءة التجاذبات والاصطفافات الإقليمية جيدا، والانطلاق منها لتحديد أولوياته وخياراته الوطنية.
ولعل هذه الرؤية لن تتأتى من دون تجاوز الحسابات الأيديولوجية والحزبية والفئوية، وجعل مصلحة الشعب الفلسطيني مرجعية أساسية في تدبير إكراهات المرحلة. ومصلحته، في الوقت الراهن، تقتضي وحدة الصف الوطني، لمواجهة صفقة القرن والحيلولة دون تنزيل مقتضياتها، الظاهرة منها والخفية. وليست هناك حاجة لتأكيد أن إنجاز المصالحة الفلسطينية في هذا التوقيت سيحرم الكيان الصهيوني من مورد سياسي واستراتيجي في غاية الأهمية، إذ صبَّ الانقسام الفلسطيني، طوال السنوات المنصرمة، في مصلحته، فقد استثمره جيدا في التغطية على سياساته العنصرية في التوسع والاستيطان والتهويد الممنهج، والتنصل من قرارات الشرعية الدولية. ولذلك، يمثل استمرار فك الارتباط السياسي والشعبي بين الضفة الغربية وقطاع غزة أولوية حيوية لهذا الكيان، في ظل هيمنته على الاقتصاد الفلسطيني، وتحكّمه في المعابر الحدودية، وتضييقه الخناق على حركة الفلسطينيين وتنقلهم.
لم يعد مستساغا أن يسهم الفلسطينيون في بناء سياق فلسطيني وإقليمي يساعد إسرائيل على مراكمة مكاسبها الاستراتيجية، ويحول، في المقابل، دون توصلهم إلى بناء أرضية سياسية مشتركة تكون منطلقا لإعادة بناء الوطنية الفلسطينية بمختلف روافدها.
لم تعد تصفية القضية مُقتصرةً على إسرائيل والولايات المتحدة، بل باتت شأنا عربيا، تتهافتُ عليه قوى الثورة المضادة، سواء بتمويل هذه التصفية (السعودية والإمارات) أو بتعاونٍ أمنيٍّ واستخباراتيٍّ متواترٍ (مصر)، ما يعني أن المصالحة الفلسطينية لم تعد مجرّد انفراج سياسي مرحلي بين حركتي فتح وحماس، يفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، تستوعب مختلف التعقيدات الداخلية والإقليمية والدولية للقضية، وتجعلها منطلقا لحوارٍ موسّع ينتهي بالتوافق على استراتيجية جديدة، تزاوج، من ناحية، بين تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني جراء ممارسات الاحتلال، وإنجاز تقييم شامل للمسار الفلسطيني منذ التوقيع على اتفاق أوسلو، وما ترتب عنه، من جهة أخرى.
يعيد هذا الوضع إلى الواجهة أهمية المصالحة الفلسطينية، باعتبارها ضرورة استراتيجية، ليس فقط على صعيد إنهاءِ الانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس، وتجاوزِ خلافاتهما التي ترهن الملف الفلسطيني لإرادات القوى الإقليمية ومصالحها، وإنما أيضا لأن تأخر هذه المصالحة سيؤدي إلى تعويم القضية الفلسطينية وسط وضع إقليمي مضطرب، يصب في مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة لتمرير صفقة القرن وشرعنتها، فاستمرار هذا الانقسام، وغياب الحد الأدنى من التوافق الوطني بين مختلف الفصائل، وعجز الأخيرة عن تقديم مراجعات شاملة لأدائها السياسي والميداني طوال العقود الثلاثة المنصرمة التي تلت إعلان الجزائر 1988، ذلك كله من شأنه أن يساعد أكثر على تسويق صورة عن الفلسطينيين شعبا يفتقد إلى مقومات السيادة التي تسمح له بتأسيس دولته الوطنية المستقلة.
على الفاعل الفلسطيني أن يعيد بناء رؤيته للصراع وفق المتغيرات الحاصلة في المنطقة، وأساسا في ما له صلة باختلال موازين القوى نتيجة الدعم الأميركي لإسرائيل، وانتقال أنظمةٍ عربية معلومة إلى طور غير مسبوق في التطبيع مع إسرائيل، والتراجع الظرفي للاهتمام الشعبي العربي بالقضية الفلسطينية نتيجة تداعيات الربيع العربي. بمعنى أن هذا الفاعل مدعو، أكثر من أي وقت مضى، لقراءة التجاذبات والاصطفافات الإقليمية جيدا، والانطلاق منها لتحديد أولوياته وخياراته الوطنية.
ولعل هذه الرؤية لن تتأتى من دون تجاوز الحسابات الأيديولوجية والحزبية والفئوية، وجعل مصلحة الشعب الفلسطيني مرجعية أساسية في تدبير إكراهات المرحلة. ومصلحته، في الوقت الراهن، تقتضي وحدة الصف الوطني، لمواجهة صفقة القرن والحيلولة دون تنزيل مقتضياتها، الظاهرة منها والخفية. وليست هناك حاجة لتأكيد أن إنجاز المصالحة الفلسطينية في هذا التوقيت سيحرم الكيان الصهيوني من مورد سياسي واستراتيجي في غاية الأهمية، إذ صبَّ الانقسام الفلسطيني، طوال السنوات المنصرمة، في مصلحته، فقد استثمره جيدا في التغطية على سياساته العنصرية في التوسع والاستيطان والتهويد الممنهج، والتنصل من قرارات الشرعية الدولية. ولذلك، يمثل استمرار فك الارتباط السياسي والشعبي بين الضفة الغربية وقطاع غزة أولوية حيوية لهذا الكيان، في ظل هيمنته على الاقتصاد الفلسطيني، وتحكّمه في المعابر الحدودية، وتضييقه الخناق على حركة الفلسطينيين وتنقلهم.
لم يعد مستساغا أن يسهم الفلسطينيون في بناء سياق فلسطيني وإقليمي يساعد إسرائيل على مراكمة مكاسبها الاستراتيجية، ويحول، في المقابل، دون توصلهم إلى بناء أرضية سياسية مشتركة تكون منطلقا لإعادة بناء الوطنية الفلسطينية بمختلف روافدها.
لم تعد تصفية القضية مُقتصرةً على إسرائيل والولايات المتحدة، بل باتت شأنا عربيا، تتهافتُ عليه قوى الثورة المضادة، سواء بتمويل هذه التصفية (السعودية والإمارات) أو بتعاونٍ أمنيٍّ واستخباراتيٍّ متواترٍ (مصر)، ما يعني أن المصالحة الفلسطينية لم تعد مجرّد انفراج سياسي مرحلي بين حركتي فتح وحماس، يفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، تستوعب مختلف التعقيدات الداخلية والإقليمية والدولية للقضية، وتجعلها منطلقا لحوارٍ موسّع ينتهي بالتوافق على استراتيجية جديدة، تزاوج، من ناحية، بين تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني جراء ممارسات الاحتلال، وإنجاز تقييم شامل للمسار الفلسطيني منذ التوقيع على اتفاق أوسلو، وما ترتب عنه، من جهة أخرى.