لا تعود هجرة ونزوح السوريين، التي باتت تسمى اليوم "أزمة اللاجئين"، إلى زمن الحرب السورية الممتدة خلال الأربعة أعوام ونصف العام الماضية، بل هي ظاهرة بارزة أنتجتها السياسات الاقتصادية والاجتماعية للنظام السوري طيلة العقود الخمسة الماضية، والتي أدت إلى نهب موارد الدولة وزيادة فقر سكانها وطرد كفاءاتها.
طاردة للكفاءات
وبحسب تقرير المعرفة العربي لعام 2009، اعتبرت سورية من البلدان الطاردة للكفاءات. وقد احتلت المرتبة الأولى بين الدول العربية، حسب مؤشر هجرة الأدمغة المعتمد ضمن منهجية قياس المعرفة للبنك الدولي. وبحسب بيانات قسم السكان في الأمم المتحدة، بلغ عدد المهاجرين السوريين عام 1990 نحو 690 ألف مهاجر، ليرتفع في عام 2000 إلى نحو 925 ألفاً وليتابع بوتيرة أسرع خلال فترة التحرير الاقتصادي وليبلغ نحو 1.35 مليون سوري في عام 2005، وأخيرا 2.2 مليونَي سوري في عام 2010 وهو ما يقدر بنحو 10 في المائة من سكان سورية. ويلاحظ الباحث الاقتصادي، الدكتور نبيل مرزوق، أن "العمالة متوسطة وضعيفة المهارة تتجه أكثر إلى الجوار الجغرافي القريب، في حين تقوم العمالة الماهرة باختيار بلد الهجرة وفق مؤهلاتها، والفرص الأفضل المتاحة لها".
يعتبر الباحث، محمد عيد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "موجات الهجرة خلال العقدين السابقين لاندلاع الثورة السورية كانت تتم بدوافع اقتصادية إذ كانت فرص العمل في سورية بالكاد تكفي لتأمين الحد الأدنى من المعيشة، وخصوصاً بالنسبة للعمالة غير المتعلمة ومتوسطة المهارة، أما بالنسبة للكفاءات الأعلى فكانت الفرص الكبيرة في الخارج، سواء التعليمية أو المهنية، عامل جذب لا يقاوم".
اقرأ أيضاً:السوريون في ألمانيا: لاجئون ويد عاملة
وفضلاً عن الهجرة إلى خارج البلاد، شهدت سورية نزوحاً داخلياً من الريف نحو المدن، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية في الأرياف مع سياسات التحرير الاقتصادي، التي اتبعتها الحكومة في ظل حكم بشار الأسد تحديداً. وبلغت موجة النزوح ذروتها خلال أزمة الجفاف التي ضربت سورية في الفترة من 2005-2009 والتي تسببت بحسب دراسة حديثة لـ "الجمعية الأميركية للأرصاد الجوية" في "انهيار الزراعة وتفكك الاقتصاد، مما ساعد على نشر البطالة، ونزوح سكان الريف إلى ضواحي المدن".
وبحلول عام 2011، كان الوضع قد ازداد سوءاً حيث قدرت الأمم المتحدة أن مليونَي إلى ثلاثة ملايين سوري قد تأثروا جراء الجفاف، كما انتقل 1.5 مليون شخص، معظمهم من العمال والفلاحين وعائلاتهم، من المناطق الريفية إلى المدن والمخيمات في ضواحي المدن السورية الكبرى، مثل: حلب، ودمشق، ودرعا، ودير الزور، وحماة، وحمص.
كارثة كبرى
ما بدأ كأزمة هجرة للكفاءات ونزوح داخلي بسيط في العقود الماضية تحول اليوم إلى كارثة كبرى مع تجاوز أعداد اللاجئين السوريين 4 ملايين، وتجاوز أعداد النازحين داخلياً 7.6 ملايين. ورغم أن غالبية اللاجئين والنازحين مدفوعون إلى الهرب من الحرب والعنف إلا أن شريحة كبيرة أيضاً لا تزال تحركها الدوافع الاقتصادية.
لا تقتصر دوافع الهجرة في ظل الحرب على البحث عن مكان آمن، وإنما تمتد لتحقيق الأمان المعيشي والفرار من بيئة غير مستقرة على المستوى الاقتصادي، وهو ما يحدث مع شرائح كبيرة من الفئات الوسطى السورية، التي لا تزال تعيش في منازلها في مناطق لم تتعرض للتدمير، ولم تتأثر دخولها على نحو كبير ولكنها تقرر الهجرة مع ذلك.
يقول الناشط السوري، نزار قبلان، والذي يقيم في تركيا، لـ"العربي الجديد": "هنالك عدد كبير من الذين يخوضون غمار تجربة اللجوء إلى بلد أوروبي بدافع الأمن الاقتصادي، وخصوصاً أولئك الذين ينتمون إلى الفئة الوسطى ويتنوعون من أدنى السلم حيث فئة وسطى بإمكانيات متواضعة ومدخرات متبددة تماماً وضعتهم على هاوية الفقر المدقع، إلى وسط السلم وهم من لا يزالون يحتفظون بعمل أو بمدخرات كبيرة، لكنهم فقدوا الأمل بتحسن الأوضاع بعد انتظار أكثر من أربعة أعوام وباتوا يبحثون عن استثمار أفضل".
ينتمي أحمد (35 عاماً) إلى تلك الفئة، إذ يدير محل بيع وصيانة أجهزة الكمبيوتر في العاصمة دمشق، ويعتبر أن دخله الشهري "أكثر من ممتاز" بحسب قوله، ولكنه اختار مغادرة العاصمة.
اقرأ أيضاً:السوريون خارج المخيمات التركية: استغلال وظيفي