01 أكتوبر 2022
لا تلوموه ولوموا أنفسكم
"أنتم منافقون، تدعمون الدكتاتوريات والمستبدين، وشعاراتكم عن الحرية للاستهلاك الإعلامي".. هكذا وجه رفاقي من النشطاء المصريين سهام نقدهم إلى ذلك الأكاديمي الأميركي المرموق. استمع لهم طويلاً بصمت وهدوء، ثم قال باقتضاب: لا أحد في العالم سيغير أوضاعاً لم يغيّرها المعنيون بها. الولايات المتحدة دعمت حسني مبارك طوال عهده، وحين حدثت ثورة يناير دعمناها، ودعمنا بعدها أي وضعٍ يثبت قوته على الأرض، بما يحقق أولاً الحفاظ على مصالحنا.
العرب يحبون لوم الغرب، وتحديداً أميركا، على كل ما يحدث في بلادهم، وللمفارقة هي سمة مشتركة بين الإسلاميين والقوميين. بالطبع، يتحمل الغرب عبئاً تاريخياً، كان الاستعمار حقيقياً جداً، ودموياً جداً، وليس نقاشاً نظرياً، كما أن الهيمنة الاقتصادية والأذرع الطويلة للشركات متعدّدة الجنسيات حقائق فعلية.
في المقابل، لا يمكن استخدام ذلك للهرب من مسؤوليتنا. صحيح أن الغزو الأميركي للعراق، وما تبعه من سياسات فاشلة، من أبرز أسباب الأوضاع الحالية في المنطقة، هذا حقيقي تماماً، كما أنه حقيقي أيضاً أن صدّام حسين لم يهبط من طائرة أميركية ليحكم بلاده بدكتاتورية مجنونة ربع قرن، وسط تهليل الإخوة العرب، كما أن أميركا لم تُحدث الفتنة الطائفية التاريخية بين السنة والشيعة في المنطقة. تهتف مليشيات عصائب أهل الحق بثارات الحسين في كربلاء، وتسافر إلى سورية للدفاع عن المراقد المقدسة في الزهراء ضد "النواصب". وفي مقابلهم، يأتي مقاتلون من أرجاء الدنيا لقتال "الروافض" الذين يسبون أمهات المؤمنين، كل هؤلاء ليسوا ممثلين، ولا تعرّضوا لغسيل العقول في الإعلام الأميركي.
القيم الرجعية السياسية والاجتماعية وسط النخب والشعوب العربية لم تُفرض علينا، لتقديس الرئيس الأب جذور راسخة في ثقافتنا، ورفض المساواة مع المرأة أصيل في بلادنا. أو لم يسافر أميركيون عبر الزمن ليكتبوا أحكام "بيعة المتغلب"، أو "تحريم الخروج على الحاكم"، أو ميثاق حزب البعث، أو الكتاب الأخضر.
هذه الحروب المعقدة والمشوهة بين القبائل في اليمن وليبيا، هل اخترعها الغرب من العدم؟ لم تأتِ أميركا بمعمر القذافي المخبول ليحكم ليبيا نحو نصف قرن، كما لم تخترع انقلابات عمر البشير أو حافظ الأسد لسحق الديموقراطيات في السودان وسورية، بل بالعكس، أمضى هؤلاء الحُكام أغلب سنوات حكمهم في عداء مع أميركا، على المستوى الخطابي على الأقل. هذه الأنظمة، في جزء رئيسي منها، نبتت في منطقتنا وتاريخنا وثقافتنا، وفي مقابلها تولدت التنظيمات المتطرفة التي لا تقل جنوناً.
لم يجلس أميركيون متآمرون في غرفةٍ مظلمة، بينما يسيل اللعاب من أنيابهم، ليقرّروا تتابع أحداث الغزو السوفييتي لأفغانستان، ثم تدفق المتطوعين العرب، ثم تولد القاعدة وأخواتها. لكن أميركا استغلت الفرصة السانحة ضد عدوها، فدعمت الأفغان بالسلاح والعلاقات. هكذا السياسة، تستغل الدول الأحداث لخدمة مصالحها، ولا يعني هذا أنها صنعتها من لا شيء. لم يكن عبدالله عزام أو أسامة بن لادن أميركيين متنكّرين يطلقان لحيتيهما ليخدعونا.
حتى من ناحية الذنب التاريخي، ما كان للاستعمار أن يتمكّن منا، لولم تكن تنظيمات الدولة العثمانية قد بلغت شأناً كبيراً من الدكتاتورية والتخلف، خصوصاً للشعوب الأبعد عن المركز.
هذا الخطاب الذي يلقي باللوم كاملاً على الغرب، سواء في صورته العقلانية أو في صورته العُصابية التي تتحدّث عن المؤامرة الماسونية ومجلس قيادة العالم، هو في جوهره محاولة للتنصّل من أي مسؤولية عن الماضي، وبالتالي، من دفع ثمن الإصلاح في المستقبل. هذا ليس خطاباً تعبوياً، بل هو في جوهره انهزامي واستسلامي بشكل كامل.
قبل أن يفكّر العرب في العوامل الخارجية، مثل فوز دونالد ترامب أو غيره، عليهم أن ينظروا إلى الداخل أولاً. لا تنتظروا أحداً فلن يأتي أحد. لن تضحّي دولةٌ بدماء شعبها أو ماله أو مصالحه من أجل شعب غريب، ولن يساعد أحد من لا يساعد نفسه.
العرب يحبون لوم الغرب، وتحديداً أميركا، على كل ما يحدث في بلادهم، وللمفارقة هي سمة مشتركة بين الإسلاميين والقوميين. بالطبع، يتحمل الغرب عبئاً تاريخياً، كان الاستعمار حقيقياً جداً، ودموياً جداً، وليس نقاشاً نظرياً، كما أن الهيمنة الاقتصادية والأذرع الطويلة للشركات متعدّدة الجنسيات حقائق فعلية.
في المقابل، لا يمكن استخدام ذلك للهرب من مسؤوليتنا. صحيح أن الغزو الأميركي للعراق، وما تبعه من سياسات فاشلة، من أبرز أسباب الأوضاع الحالية في المنطقة، هذا حقيقي تماماً، كما أنه حقيقي أيضاً أن صدّام حسين لم يهبط من طائرة أميركية ليحكم بلاده بدكتاتورية مجنونة ربع قرن، وسط تهليل الإخوة العرب، كما أن أميركا لم تُحدث الفتنة الطائفية التاريخية بين السنة والشيعة في المنطقة. تهتف مليشيات عصائب أهل الحق بثارات الحسين في كربلاء، وتسافر إلى سورية للدفاع عن المراقد المقدسة في الزهراء ضد "النواصب". وفي مقابلهم، يأتي مقاتلون من أرجاء الدنيا لقتال "الروافض" الذين يسبون أمهات المؤمنين، كل هؤلاء ليسوا ممثلين، ولا تعرّضوا لغسيل العقول في الإعلام الأميركي.
القيم الرجعية السياسية والاجتماعية وسط النخب والشعوب العربية لم تُفرض علينا، لتقديس الرئيس الأب جذور راسخة في ثقافتنا، ورفض المساواة مع المرأة أصيل في بلادنا. أو لم يسافر أميركيون عبر الزمن ليكتبوا أحكام "بيعة المتغلب"، أو "تحريم الخروج على الحاكم"، أو ميثاق حزب البعث، أو الكتاب الأخضر.
هذه الحروب المعقدة والمشوهة بين القبائل في اليمن وليبيا، هل اخترعها الغرب من العدم؟ لم تأتِ أميركا بمعمر القذافي المخبول ليحكم ليبيا نحو نصف قرن، كما لم تخترع انقلابات عمر البشير أو حافظ الأسد لسحق الديموقراطيات في السودان وسورية، بل بالعكس، أمضى هؤلاء الحُكام أغلب سنوات حكمهم في عداء مع أميركا، على المستوى الخطابي على الأقل. هذه الأنظمة، في جزء رئيسي منها، نبتت في منطقتنا وتاريخنا وثقافتنا، وفي مقابلها تولدت التنظيمات المتطرفة التي لا تقل جنوناً.
لم يجلس أميركيون متآمرون في غرفةٍ مظلمة، بينما يسيل اللعاب من أنيابهم، ليقرّروا تتابع أحداث الغزو السوفييتي لأفغانستان، ثم تدفق المتطوعين العرب، ثم تولد القاعدة وأخواتها. لكن أميركا استغلت الفرصة السانحة ضد عدوها، فدعمت الأفغان بالسلاح والعلاقات. هكذا السياسة، تستغل الدول الأحداث لخدمة مصالحها، ولا يعني هذا أنها صنعتها من لا شيء. لم يكن عبدالله عزام أو أسامة بن لادن أميركيين متنكّرين يطلقان لحيتيهما ليخدعونا.
حتى من ناحية الذنب التاريخي، ما كان للاستعمار أن يتمكّن منا، لولم تكن تنظيمات الدولة العثمانية قد بلغت شأناً كبيراً من الدكتاتورية والتخلف، خصوصاً للشعوب الأبعد عن المركز.
هذا الخطاب الذي يلقي باللوم كاملاً على الغرب، سواء في صورته العقلانية أو في صورته العُصابية التي تتحدّث عن المؤامرة الماسونية ومجلس قيادة العالم، هو في جوهره محاولة للتنصّل من أي مسؤولية عن الماضي، وبالتالي، من دفع ثمن الإصلاح في المستقبل. هذا ليس خطاباً تعبوياً، بل هو في جوهره انهزامي واستسلامي بشكل كامل.
قبل أن يفكّر العرب في العوامل الخارجية، مثل فوز دونالد ترامب أو غيره، عليهم أن ينظروا إلى الداخل أولاً. لا تنتظروا أحداً فلن يأتي أحد. لن تضحّي دولةٌ بدماء شعبها أو ماله أو مصالحه من أجل شعب غريب، ولن يساعد أحد من لا يساعد نفسه.