ليلة القدر في القدس... مشاهد من معاناة الفلسطينيين للصلاة في الأقصى
العربي الجديد
على مداخل مدينتهم المحاصرة بالجنود وعشرات حواجز التفتيش العسكرية التي تنتشر على محاور الطرق المؤدية إليها، اصطفت طوابير طويلة من الشبان الفلسطينيين، شوقا وانتظارا لدخول مدينتهم المقدسة والصلاة في مسجدها الأقصى وإحياء ليلة القدر.
لكن ما جرى أن هذا الحلم بالنسبة للآلاف من الشبان الفلسطينيين دون سن الأربعين لم يتحقق، بعد أن صدّهم جنود الاحتلال على الحواجز العسكرية، وطاردت دوريات الاحتلال مئات آخرين منهم حاولوا اجتياز الحواجز بتسلق جدار الفصل العنصري الذي لف عنق المدينة وجعل الدخول إليها مستحيلاً.
في حين نجحت أعداد ضئيلة جدا من التسلل من ثغرات بعيدة عن مرأى الجنود الإسرائيليين، وبعضهم نزل إلى أنابيب ضخمة من شبكات المجاري في بعض خطوط التماس وصولا للقدس، متجاوزين بشق الأنفس رقابة جنود الاحتلال ودورياته التي تقوم بعمليات المطاردة لـ"المتسللين"، واعتقالهم والتنكيل بهم، كما حدث مع خمسة شبان من محافظة رام الله ألقي القبض عليهم قرب ثغرة تتاخم مطار قلنديا شمال القدس، تعرّضوا للضرب ونُقلوا من هناك إلى مركز لحرس الحدود الإسرائيلي في المنطقة الصناعية المسماة "عطروت"، ونالهم من التنكيل، ما جعلهم لا يقوون على المشي حتى بعد إلقائهم على حاجز قلنديا العسكري الذي أغلقت ساحته الرئيسية وامتلأ بجنود الاحتلال.
ويروي أحد هؤلاء المواطنين الفلسطينيين لـ"العربي الجديد"، وهو شاب في التاسعة والعشرين من عمره يُدعى محمد علوي من دير جرير شرق رام الله، كيف تصرّف جنود الاحتلال معه ومع رفاقه بوحشية، حيث تعرّضوا للضرب بالهراوات وأعقاب البنادق على أيديهم وأرجلهم، ولم تسلم أمهاتهم وزوجاتهم وأخواتهم من الشتائم البذيئة.
يقول محمد: "منذ كنت في الثانية عشرة من عمري لم يُسمح لي بدخول القدس والصلاة في الأقصى. تقدمت بطلب للحصول على تصريح، لكن الاحتلال رفض لدواع أمنية، ومثلي رُفضت طلبات الحصول على تصاريح لرفاقي الآخرين".
يعاني محمد من كسر في يديه وكاحل قدمه، حيث تعرّض هو ورفاقه للضرب على الأيدي والأرجل، "وكان واضحا أنهم يريدون تكسير عظامنا ليس إلا"، يقول محمد. مشيرا إلى أن شابا آخر من قرية دير السودان القريبة من قريته، فقد وعيه، بعد تعرّضه للضرب العنيف بعد أن رفض الانصياع لتعليمات الجنود الإسرائيليين بالجلوس داخل حفرة مجاري، قرب مركز حرس الحدود الإسرائيلي.
العديد ممن وصلوا منطقة الحاجز العسكري في قلنديا، وهو منطقة عبور رئيسية تربط القدس برام الله ومدن شمال الضفة الغربية، أدوا صلواتهم في ساحات تجاور الحاجز العسكري، بينما التجأ آخرون إلى مسجد مخيم قلنديا، وهي مواقع أقرب إلى القدس قبلتهم التي لم يصلّوا فيها منذ سنوات.
في حين، كانت المعاناة أكبر وأقسى على كبار السن والنساء الذين لم تتمكن المركبات من إيصالهم إلى مدخل باب العمود في القدس، أحد البوابات الرئيسة للبلدة القديمة، فاضطروا إلى السير على أقدامهم مسافة ثلاثة كيلومترات، ليصلوا إلى ساحات الأقصى مُنهكين مُتعبين، واختار بعضهم التوجه إلى عيادات طبية داخل ساحات الأقصى لإجراء بعض الفحوصات، خاصة مرضى السكري وارتفاع ضغط الدم، حيث قُدر عدد من استقبلتهم تلك العيادات في ليلة القدر بأكثر من 170 مصليا، كما قال لـ"العربي الجديد" أحمد سرور أبو ماهر، مدير عيادة المركز الصحي العربي المقامة داخل الأقصى.
إجراءات الاحتلال هذه، تركت مشاعر سلبية لدى المواطنين المقدسيين، ولدى مسؤولي الأوقاف الإسلامية الذين كانوا توقّعوا أن يحيي قرابة 400 ألف مصل ليلة القدر، في حين أشار بيان لإدارة الأوقاف الإسلامية في المدينة المقدسة إلى أن عدد من أمّوا الأقصى في ليلة القدر لم يتجاوز الـ270 ألفا.
وعبّر مفتي القدس والديار الفلسطينية، الشيخ محمد حسين، عن شعوره بالخيبة والحزن جراء عدم تمكّن آلاف المواطنين الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة من دخول القدس والصلاة في الأقصى.
وقال حسين لـ"العربي الجديد": "كان المشهد مأساويا. في الطريق إلى هنا صادفت أعدادا كبيرة من الشبان حال الاحتلال بينهم وبين القدس ومسجدها العظيم. وشاهدت جنودا يوقفون شبانا مقدسيين وينكّلون بهم بحجة الفحص والتفتيش. وعلى خلاف السنوات الماضية، فمن وصل إلى ساحات الأقصى كان دون التوقعات".
وسخر مفتي القدس من ادعاءات الاحتلال بوجود تسهيلات، وقال: "هذا كذب وتضليل. وحق مواطنينا في الصلاة ودخول القدس حق مكفول وفقا لكل القوانين والشرائع، والاحتلال لا يمنّ علينا أبدا بتصاريحه التي يهبها متى شاء ويسحبها ويلغيها متى أراد".
لم يختلف حال الأقصى عن حال البلدة القديمة في القدس التي شهدت ازدحامات في بعض أسواقها، لكنها لم تكن بحجم ما كانت عليه في الأعوام السابقة. وكان البارز والظاهر في هذه الأسواق وفي الطرقات المؤدية إليها، بسطات الباعة المتجولين الذين اصطفت طوابير عليها طلبا لطعام أو حلويات أو عصائر، بينما تحوّل شارع نابلس المؤدي إلى باب العمود إلى سوق مركزي اختاره رواده من المتسوقين بعيدا عن أسواق البلدة القديمة التي يتطلب دخولها اجتياز ساحة باب العمود التي ازدحمت بجنود الاحتلال، والحال ذاته أيضا في شارع الواد المتاخم للأقصى، حيث أقام جنود الاحتلال هناك ثكنة بجوار مستشفى الهوسبيس وتموضع فيها عشرات الجنود من الوحدات الخاصة بلباسهم العسكري والمدينة، ومن بينهم بعض المستعربين.
وفي ساحات الأقصى ذاتها، كان آلاف المصلين وأعداد كبيرة منهم من النساء يمضون ليلة القدر بصلاة العشاء والتراويح، ويمتد ليلهم حتى ساعات الفجر ليواصلوا الصلاة هناك. فيما أقام عدد من أهل الخير زاوية قدمت المشروبات الساخنة من شاي وقهوة للجموع التي أمّت الأقصى، وكثير منهم وبعد انتهاء صلاة الفجر اختار الاعتكاف والبقاء في الساحات وداخل المصليات.