01 أكتوبر 2022
ما هو عدد المعتقلين في مصر؟
ما إن صدر في مصر قرار العفو الرئاسي عن 203 من المسجونين على خلفيات سياسية، حتى انتشرت عبارات تسخر من تفاهة العدد بالمقارنة بـ 60 ألف سجين سياسي مازالوا في الزنازين.
بعيداً عن تساؤلات جدلية حول تعريف "المعتقل السياسي"، فلنكتف بالسؤال العددي البحت: من أين أتى اليقين أنهم ستون ألفاً؟ ولماذا لا يكون العدد أكثر أو أقل؟ 100 ألف أو 20 ألفاً؟
محاولة تحديد العدد ليست لأغراض نظرية، بل لأن أي جهد جاد على ملف المعتقلين يحتاج إلى إجاباتٍ عن أسئلة من قبيل: هل نتقدّم أم نتراجع؟ هل تنجح أساليبنا للضغط أم تفشل؟ هل يتجه النظام إلى التصعيد أم إلى التهدئة؟
عند تتبع العدد، نجد أن مصدره هو 40 ألف معتقل ذائع الصيت، ثم يبدو أن هناك من قرّر أن العدد تكرّر فترة طويلة، وبالتأكيد أصبح العدد أعلى، لذلك فلنجعله ستين ألفاً. لم أتمكن من تحديد من أول من أطلق هذا العدد.
المصدر الأول لعدد 40 ألف معتقل هو تقرير منظمة العفو الدولية في 3 يوليو /تموز 2014، والذي قال إنه، خلال عام، تم القبض على أو (لوحق قضائياً) نحو 40 ألف شخص، حسب أرقام غير رسمية، أو 16 ألف شخص، حسب الأرقام الرسمية.
كانت "العفو الدولية" بدورها تستمد جانباً من معلوماتها من تقرير أقل شهرةً، أعدته مجموعة "ويكي ثورة" البحثية التي تقوم بصمت بعمل توثيقي خارق الإبداع والأهمية. حسب تقريرها وقتها، شهدت الفترة من 3 يوليو/ تموز 2013 إلى 15 مايو/ أيار 2014 حصر 41,164 شخصاً تم القبض عليهم أو (لوحقوا قضائياً)، منهم 3048 قيادة إخوانية بمختلف درجاتهم. أكد معدو التقرير أن العدد يشمل من صدر بحقه أي اتهام وإن لم يُسجن، كما يشمل من سُجن وخرج.
في سبتمبر/ أيلول 2016، أصدر فريق "ويكي ثورة" نفسه، بعد انتقاله إلى مركز "دفتر أحوال"، تقريراً آخر يوثق بدقة أكبر جانباً رئيسياً من الصورة، هو حصر المسجونين أو المتهمين على خلفية قانون التظاهر خلال ثلاث سنوات. وعلى الرغم من أنه لا يمنحنا الصورة الكاملة، لأن هناك أعداداً كبيرة أخرى في السجون غير متهمين بالتظاهر، لكنه يبقى مؤشراً مهما.
في التقرير الذي يحمل قاعدة بيانات هائلة بعشرات آلاف الأسماء والمعلومات، تم توثيق 37,059 تحركا أمنيا أو قضائيا، وهو ما تم نقله في أوساط معارِضة على أنه "40 ألف معتقل بسبب قانون التظاهر"، لكن التفاصيل ترينا صورةً مختلفة، فالعدد يتقلص إلى نحو 19 ألف حالة قبض وإحالة إلى النيابة، ونحو 9 آلاف حالة تنفيذ ضبط وإحضار، الباقون تم إطلاق سراحهم أو لم يُقبض عليهم.
في المرحلة التالية، ينخفض العدد مرة أخرى، حيث تقتصر الإحالة إلى المحاكمات على 15,491 شخصاً، ثم ينخفض مرة ثالثة في مرحلة صدور الأحكام، حيث ينتهي الأمر إلى أحكام بالبراءة لأكثر من 5000 شخص، بينما حُكم ضد 6,382 شخصا، يسجل التقرير تفاصيل كاملة لمنطوق أحكامهم.
على الضفة المقابلة، الأعداد الرسمية غائبة تماماً أيضاً، فقط تحدثت مصادر رسمية مجهولة سابقاً عن حوالى 11 ألف سجين، وفي يونيو/ حزيران 2015، نقل الكاتب الصحافي، حمدي رزق، عن رئيس الوزراء وقتها، إبراهيم محلب، أنه أكد أن إجمالي العدد لا يزيد عن 8 آلاف سجين.
واقعياً، كل هذه الأرقام مؤشرات تصلح للتخمين لا أكثر، فالحصيلة متغيرة طوال الوقت، تشهد باستمرار تياراً داخلاً وتياراً خارجاً. وفي العفو الرئاسي، أخيرا، خرج 203 سجناء، أغلبهم من المحكوم عليهم نهائياً بقضايا 2013. وفي العفو السابق، خرج 82 سجيناً، وقبلهم 100، وقبلهم 165، كما أن القضاء يفرج عن دفعاتٍ أخرى، بالإضافة إلى من انتهت أحكامهم. وفي المقابل، لا ينقطع تيار دخول مساجين جدد إلى الزنازين نفسها.
أياً كانت الآراء حول مقارنة حجم التيارين، فهي تبقى مجرد تقديرات. المجتمع الحقوقي والسياسي المصري في أمس الحاجة للمعلومات والأرقام. لذلك، لا بديل عن تقديم الدعم الكامل لمشاريع واعدة، مثل "دفتر أحوال"، لعلنا، في يوم غير بعيد، نتمكن من الرصد الدقيق للتطورات، ولعلها تكون خطوةً نحو إنهاء الملف، ليصبح تاريخاً للتعلم، لا مادة للرصد.
بعيداً عن تساؤلات جدلية حول تعريف "المعتقل السياسي"، فلنكتف بالسؤال العددي البحت: من أين أتى اليقين أنهم ستون ألفاً؟ ولماذا لا يكون العدد أكثر أو أقل؟ 100 ألف أو 20 ألفاً؟
محاولة تحديد العدد ليست لأغراض نظرية، بل لأن أي جهد جاد على ملف المعتقلين يحتاج إلى إجاباتٍ عن أسئلة من قبيل: هل نتقدّم أم نتراجع؟ هل تنجح أساليبنا للضغط أم تفشل؟ هل يتجه النظام إلى التصعيد أم إلى التهدئة؟
عند تتبع العدد، نجد أن مصدره هو 40 ألف معتقل ذائع الصيت، ثم يبدو أن هناك من قرّر أن العدد تكرّر فترة طويلة، وبالتأكيد أصبح العدد أعلى، لذلك فلنجعله ستين ألفاً. لم أتمكن من تحديد من أول من أطلق هذا العدد.
المصدر الأول لعدد 40 ألف معتقل هو تقرير منظمة العفو الدولية في 3 يوليو /تموز 2014، والذي قال إنه، خلال عام، تم القبض على أو (لوحق قضائياً) نحو 40 ألف شخص، حسب أرقام غير رسمية، أو 16 ألف شخص، حسب الأرقام الرسمية.
كانت "العفو الدولية" بدورها تستمد جانباً من معلوماتها من تقرير أقل شهرةً، أعدته مجموعة "ويكي ثورة" البحثية التي تقوم بصمت بعمل توثيقي خارق الإبداع والأهمية. حسب تقريرها وقتها، شهدت الفترة من 3 يوليو/ تموز 2013 إلى 15 مايو/ أيار 2014 حصر 41,164 شخصاً تم القبض عليهم أو (لوحقوا قضائياً)، منهم 3048 قيادة إخوانية بمختلف درجاتهم. أكد معدو التقرير أن العدد يشمل من صدر بحقه أي اتهام وإن لم يُسجن، كما يشمل من سُجن وخرج.
في سبتمبر/ أيلول 2016، أصدر فريق "ويكي ثورة" نفسه، بعد انتقاله إلى مركز "دفتر أحوال"، تقريراً آخر يوثق بدقة أكبر جانباً رئيسياً من الصورة، هو حصر المسجونين أو المتهمين على خلفية قانون التظاهر خلال ثلاث سنوات. وعلى الرغم من أنه لا يمنحنا الصورة الكاملة، لأن هناك أعداداً كبيرة أخرى في السجون غير متهمين بالتظاهر، لكنه يبقى مؤشراً مهما.
في التقرير الذي يحمل قاعدة بيانات هائلة بعشرات آلاف الأسماء والمعلومات، تم توثيق 37,059 تحركا أمنيا أو قضائيا، وهو ما تم نقله في أوساط معارِضة على أنه "40 ألف معتقل بسبب قانون التظاهر"، لكن التفاصيل ترينا صورةً مختلفة، فالعدد يتقلص إلى نحو 19 ألف حالة قبض وإحالة إلى النيابة، ونحو 9 آلاف حالة تنفيذ ضبط وإحضار، الباقون تم إطلاق سراحهم أو لم يُقبض عليهم.
في المرحلة التالية، ينخفض العدد مرة أخرى، حيث تقتصر الإحالة إلى المحاكمات على 15,491 شخصاً، ثم ينخفض مرة ثالثة في مرحلة صدور الأحكام، حيث ينتهي الأمر إلى أحكام بالبراءة لأكثر من 5000 شخص، بينما حُكم ضد 6,382 شخصا، يسجل التقرير تفاصيل كاملة لمنطوق أحكامهم.
على الضفة المقابلة، الأعداد الرسمية غائبة تماماً أيضاً، فقط تحدثت مصادر رسمية مجهولة سابقاً عن حوالى 11 ألف سجين، وفي يونيو/ حزيران 2015، نقل الكاتب الصحافي، حمدي رزق، عن رئيس الوزراء وقتها، إبراهيم محلب، أنه أكد أن إجمالي العدد لا يزيد عن 8 آلاف سجين.
واقعياً، كل هذه الأرقام مؤشرات تصلح للتخمين لا أكثر، فالحصيلة متغيرة طوال الوقت، تشهد باستمرار تياراً داخلاً وتياراً خارجاً. وفي العفو الرئاسي، أخيرا، خرج 203 سجناء، أغلبهم من المحكوم عليهم نهائياً بقضايا 2013. وفي العفو السابق، خرج 82 سجيناً، وقبلهم 100، وقبلهم 165، كما أن القضاء يفرج عن دفعاتٍ أخرى، بالإضافة إلى من انتهت أحكامهم. وفي المقابل، لا ينقطع تيار دخول مساجين جدد إلى الزنازين نفسها.
أياً كانت الآراء حول مقارنة حجم التيارين، فهي تبقى مجرد تقديرات. المجتمع الحقوقي والسياسي المصري في أمس الحاجة للمعلومات والأرقام. لذلك، لا بديل عن تقديم الدعم الكامل لمشاريع واعدة، مثل "دفتر أحوال"، لعلنا، في يوم غير بعيد، نتمكن من الرصد الدقيق للتطورات، ولعلها تكون خطوةً نحو إنهاء الملف، ليصبح تاريخاً للتعلم، لا مادة للرصد.