لم تعد جرائم قوات الاحتلال بحق الأراضي الزراعية في غزة قابلة للإحصاء، في ظل الحصار الظالم على القطاع منذ قرابة الثماني سنوات.
وأبتلي القطاع الزراعي الذي يشغل أكثر من 44 ألف شخص في غزة، بلهيب الاحتلال الذي حاصره من الخارج وبوّره من الداخل ويسعى يوماً بعد الآخر للتمتع بمشاهدة النفس الأخير لكل ما هو أخضر في غزة.
والتقت "العربي الجديد" عدداً من المزارعين على الحدود الشمالية للقطاع؛ في مسعى لتوصيل معاناتهم إلى العالم، فكانت إيماءات وجوههم الشاحبة تتحدّثُ قبلَ ألسنتهم.
معاناة المزارعين
يقول المزارع محمود الأدهم، والذي يمتلك نحو 10 دونمات (2.5 فدان) من الأرض الزراعية،: إن الاحتلال يواصل سياسته الغاشمة التي تَحول دون وصول المياه إلى أرضه كما باقي أراضي المزارعين، فباتت أرضه قاحلةً جافّةً، تشكو قلّةَ المياه، وقلّة الإنتاج.
وأضاف الأدهم "للعربي الجديد": "لن تحل قضية المزارعين إلا بزوال الاحتلال لأن المحتل يمنع جميع مقومات الحياة للمزارعين ولا يأبه بشيء، ورغم مناشداتنا الدائمة والمتكررة إلا أنها لم تأت بنتيجة على أرض الواقع".
وتعد الخمسة عشر دونماً الواقعة على المناطق الحدودية للمزارع "أبو محمد علوان" مصدر الدخل الوحيد لعائلته؛ فمنذُ اثنتي عشرة سنة؛ وأرضه بور لا يستطيع الفلاحة فيها، نظراً لوقوعها على الحدود الشمالية.
يقولُ المزارع علوان: "حاولت زراعتها قمحاً؛ فلم تحملْ السنابل، لعدم توافر المياه، وقد منعنا الاحتلال من حفر الآبار"، بالإضافة إلى عدم وقوف الجهات الداعمة بجانبهم.
ويضيفُ: "قلة البرابيش (خراطيم المياه) تؤخِّرُ أيضا عمل الأرض، بالإضافة إلى عدم تمكن المقاول من إعادة تأهيل البئر؛ نظراً لإطلاق النار عليه من قبل القوات الصهيونية".
ودعا علوان الجهات الدوليةَ، وحقوقَ الإنسان؛ إلى الوقوف بجانب المزارع الفلسطيني، ومساعدته لإعادة تأهيل آبار المياه وهي أكبر المشاكل التي يعانون منها.
اعتداءات رغم اتفاق التهدئة
وتتعمد قوات الاحتلال إطلاق نيران أسلحتها الرشاشة صوب المزارعين وكل من يحاول الاقتراب مما تسمى بـ "المنطقة العازلة" التي فرضتها على طول الحدود مع القطاع.
ووقعت فصائل المقاومة الفلسطينية في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، اتفاق تهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي برعاية مصرية في القاهرة، يقضي بإلزام (إسرائيل) إلغاء ما تُسمى بالمنطقة العازلة التي تفرضها على طول حدودها مع القطاع، والسماح للمزارعين بدخولها وزراعتها، إلا أن الاحتلال لم يلتزم ببنودها.
ويتعمد الاحتلال بشكل شبه يومي اختراق التهدئة من خلال إطلاق النيران على المزارعين والصيادين.
وتعتبر المنطقة الحدودية شرق محافظات قطاع غزة السلة الغذائية للقطاع المحاصر، وتشير معلومات جغرافية أن المساحة الخاضعة للشروط الأمنية والإجراءات العسكرية الإسرائيلية تمثل 35% من الأراضي الزراعية في القطاع ذي الكثافة السكانية الأعلى في العالم.
خسائر أكبر من القدرات
وقال مدير عام التخطيط والسياسات في وزارة الزراعة بالحكومة المقالة، نبيل أبو شمالة،: إن خسائر القطاع الزراعي غير المباشرة في قطاع غزة تجاوزت 1.5 مليار دولار جراء الحصار الإسرائيلي على مدار 7 سنوات.
وقدر أبو شمالة في حديث خاص لـ "العربي الجديد" خسائر قطاعات الزراعة والإنتاج الحيواني والصيد البحري بـ 200 إلى 300 مليون دولار سنوياً.
وأوضح أن الحصار الإسرائيلي أدى إلى منع تصدير الخضروات من القطاع إلى الدول العربية والأوروبية والضفة الغربية مما عرقل إيرادات تصل إلى 60 مليون دولار. وشددّ على أن الحصار على قطاع غزة جريمة حرب له آثار جانبية كبيرة على كل القطاعات"، مشيراً إلى أن خللاً كبيراً حدث في الاقتصاد الفلسطيني نتيجة الحصار.
وتابع: "الحصار منع نمو القطاع الزراعي بشكل طبيعي رغم الجهود التي تبذلها وزارة الزراعة لتحسين القطاع النباتي". وأوضح أن من تبعات الحصار عدم القدرة على استغلال 22 ألف دونم من الأراضي الزراعية في المناطق الحدودية شرق القطاع بخسارة سنوية تقدر بـ 50 مليون دولار، الأمر الذي زاد في عدد البطالة وقلل قيمة الإنتاج. وأشار إلى أن وزارته حققت الاكتفاء الذاتي في عدة محاصيل زراعية، وهي أقل سعراً من دول الشرق الأوسط.
وأوضح أن كمية الصيد في الثروة السمكية انخفضت من 6 آلاف طن سنويا إلى أقل من 2 ألف طن سنويًا، بفعل تضييق الحصار، ومنع إسرائيل صيادي غزة من الإبحار لأكثر من 3 ميل بحري.
ولفت أبو شمالة إلى وجود عجز في الأدوية البيطرية والكادر البيطري مما أثر بشكل كبير على الإنتاج الحيواني.
وطالب جميع مؤسسات الأمم المتحدة والجمعيات الدولية لإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة لما له من آثار سلبية كبيرة على قطاعات المجتمع الفلسطيني وعلى وجه الخصوص الاقتصاد الزراعي.
وتفرض إسرائيل حصاراً خانقاً على قطاع غزة منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية مطلع عام 2006، وشددته في أعقاب سيطرة الحركة على القطاع في عام 2007.