البعض يرى أن تاريخا بعيدا يربط المصريين ببريطانيا، إلى الفترة الرومانية، وإن كانت الأدلة قليلة في إثبات إن كانوا استقروا في بريطانيا في ذلك الوقت.
وفي العصر الحديث فإن تقديرات مكتب الاحصاء الوطني في لندن لعام 2009 يتحدث عن أن أعداد المواليد المصريين فيها تقارب 27 ألفا. وهو ما يجعل الجالية المصرية كرابع أكبر جالية عربية في البلد.
ومعظم المصريين البريطانيين، من المهنيين العاملين في مجالات الطب والتكنولوجيا. بيد أنّ الكثير منهم لم يسجّلوا اسماءهم لدى السفارة المصرية خوفاُ من العواقب.
كذلك نلاحظ انفتاح المصريين على الثقافات الأخرى، فلا نراهم يتقوقعون في مجتمعات منغلقة، بل يختلطون مع كافة الأجناس في المجتمع البريطاني. وبالرّغم من أنّ ما يقارب نصفهم يعيش في لندن، فإنهه لديهم وجود مهم في برمنغهام وغلاسكو وليفربول ومانشستر.
ولا تختلف الجالية المصرية عن الكثير غيرها من الجاليات العربية، من حيث الانقسام في التوجّهات السياسية، خاصّة بعد ثورة 25 يناير. وفي هذا الإطار نشرت "فاينانشال تايمز" تقريرا آنذاك، بيّنت فيه أنّ 77 بالمئة من المصريين أكّدوا أنّ تنحّي الرئيس مبارك كان خطوة إيجابية. بيد أنّ الانقسام جاء نتيجة الاختلاف حول مستقبل البلاد السياسي. وشكّلت بريطانيا، الملجأ الآمن للمعارضين الهاربين من النظام الحاكم في مصر. وهاجر العديد من المصريين بلادهم في فترة السبعينيات والثمانينيات باتجاه بريطانيا كما الدول الغربية الأخرى.
هموم الوطن عند الجالية المصرية في فرنسا
التواجد المصري في فرنسا ضئيلٌ وحديث العهد إذا ما قُورِن بتواجد مواطني بلدان المغرب العربي، الذي يقدر بالملايين. ويقدر بأكثر من 150 ألف شخص، أغلبيتهم الساحقة في باريس وضواحيها مع حوالي 8 آلاف في مرسيليا. هذا إلى جانب آلاف أخرى بدون إقامات.
وصول المصريين المتأخر إلى فرنسا (إذ لم يكونوا سنة 1999 يمثلون أكثر من 16 ألف شخص)، وأيضا خضوع مصر للاحتلال البريطاني، يفسر هذه الوضعية الخاصة التي تمثلها الهجرة المصرية إلى فرنسا. وإن كان اختلاط المصريين مع إخوانهم المغاربيين هو الذي يسهل اندماجهم، خاصة عبر التزوج من مغاربيات أو فرنسيات من أصول مغاربية.
من النادر أن تجد مواطنا مصريا لا يشتغل في فرنسا. "لهذا السبب هجروا بلدهم، مصر، وأحرقوا زوارقهم"، يقول" رشيد". وفي ما يتعلق بالبحث عن الشغل، حتى بالنسبة للذين لا أوراق لديهم، يقول لنا محمد سعيد، مصري قدم من القاهرة: "يلعب التضامن بين المصريين دورا حاسما في العثور على الشغل.. والذين يصلون للتو من مصر يمكنهم الاعتماد على من وصل من قبلهم، فيما يخص السكن والشغل..".
وغالبا ما يشتغل المصريون في بيع الخضر والفواكه، ولن تجد سوقا شعبية لهذه المواد، تخلو من هؤلاء الباعة، وهم يدندنون بأغاني أم كلثوم وعبد الحليم والأطرش والأغاني الشبابية وغيرها، وفي نفس الوقت يزنون البضاعة. ومن يشتاق، حقا، للهجة المصرية، ما عليه سوى ارتياد أسواق باربيس وغيرها من أسواق باريس وضواحيها، لرؤية هؤلاء الفتيان، وهم يستعرضون مهاراتهم، في جوٍّ مَرِحٍ، لا يعرف سِرَّه سواهُم.
ويلجأ آخرون منهم إلى الصباغة، وتكوين مقاولات صغيرة تتخصص في إصلاح البيوت وترميمها. وهي مقاولات تحظى بنجاح وإقبال كبيرَيْن، ولا تمكن منافستها.
القلق من السياسة ومن السيسي
بقدر ما كان المصريون مبتهجين ومتفائلين مع انطلاقة الثورة والربيع العربي، والذي منحهم "رؤية" أكبر، خلافا لميلهم للانطواء والحيطة، بقدر ما تحولوا إلى أناسٍ آخرين، عقب انقلاب الجنرال السيسي على الرئيس المنتخب محمد مرسي، وتأسيسه للثورة المضادة..
لا يحب المصريون أن يتحدثوا في السياسة، هذا ما يقولونه حين نطرح عليهم أسئلة عن الوضع في مصر. وما أن يثقوا فيك حتى يكشفوا لك عن كميات الحزن والأسى على الوضعية التي يعرفها بلدهم، أم الدنيا، الآن. والمرارة من الوضعية الحالية ومن القادم الغامض. يقول لنا البائع عليّ، بين مقطعَين من أغنية لمحمد عبد الوهاب: "وضعيتنا في مصر السيسي، لخّصها، بعمق، سائق التوك توك الشهير، حين قارَن أهمية مصر بالصومال".
حين يثق فيك المصري، يمكنه، حينها، أن يحدثك عن تغلغل الاستخبارات المصرية وسط الجالية، وعن الوشاية والضغوط وعن الخوف مما ينتظر المواطنَ المصري حين يعود إلى بلده. "مصر أصبحت، الآن، جمهورية خوف"، يقول لنا بطرس، في مقهى باريسي.
ولكن الكرامة موجودة، والشجاعة أيضا، وقد تنفجر في أية لحظة. وهذا ما حدث مع الاتهامات التي لفقت لأسطورة كرة القدم المصرية محمد أبو تريكة وعن علاقة له بالإرهاب. فقد جاهر مواطنون مصريون برفضهم وشجبهم لهذه التهم السياسية الكاذبة. ويندر أن تجد شخصا يشكك في وطنية أبو تريكة، أو يتبنى الرواية الرسمية للداخلية المصرية.
كما أن الخوف بدأ ينقشع مع تكرار أخطاء الجنرال السيسي وقراراته التي لا تتماشى مع أحلام وتطلعات الشعب.
ولم يكن قرار الجنرال السيسي تسليم المملكة العربية السعودية جزيرتي تيران وصنافير، إلا واحدا من القرارات التي كسَّرت الخوف لدى المصريين في فرنسا، وهذا ما تمكن قراءته على مختلف شبكات التواصل الجماهيري..
وفي هذا الصدد يكتب الفنان المصري عكاشة في صفحته في الفيسبوك، رغم أنه لا يُعرَف عنه انتقاد للسيسي: "كيف نعلم الأبناء حب الوطن، والكبار يفرطون فيه؟ كيف نعلم الأبناء احترام مجلس الشعب والجالسين على الكراسي جهلة وخونة؟ كيف نعلم الأبناء حب الأم ومرتضى يشتمها طول اليوم؟ كيف نعلم الأبناء احترام الكبير، وهو خائن؟ لا تظلموا الشباب والصغار الذين يتعاطون ويدمنون من قرف الكبار... تيران وصنافير مصريتان، واللي مش عجبه يمشي من صفحتي.."
المصريون متلاحمون فيما بينهم في المهجر الفرنسي. وعلى الرغم من بعض الاختلافات السياسية وتعددية الحساسيات، إلا أنهم يتعايشون معا، ولا يتركون للخلاف، مَهْما كان، أن يفسد المودة بينهم. وهذا ما يعبر عنه سمير، وهو مصري مسيحي، حين يعترف لنا بأن مختلف الاعتداءات الإرهابية التي ضربت مسيحيي مصر، لم تغير ذرة واحدة من صداقاته مع مواطنيه من المسلمين: "ما زلنا نتقاسم نفس السكن، ونحن إخوة للأبد".
هي مسألة أجيال قريبة، ولن يكون بإمكان أحد، بعدها، أن يميز هذا الفرنسي، من أصول عربية، إن كان مغربيا أم تونسيا أم مصريا أم فلسطينيا.