هل ستكون الصين دولة عظمى؟

07 سبتمبر 2014

وفد من جامعة الدول العربية يزور الصين (31 مايو/2006/Getty)

+ الخط -

قبل سنوات، سألتُ مساعدة وكيل وزارة الثقافة الصينية، عن هدف دولة كبرى وناهضة، مثل الصين، من الاحتكاك الثقافي بدول صغيرة وأقل تأثيراً مثل الدول العربية، فقالت إنها "إزالة الالتباس". وقبل أيام، عندما كنت في بكين، للمشاركة في حفل إشهار النسخة الصينية من كتابي "العرب ومستقبل الصين"، والذي نشرته جامعة بكين للمعلمين، أعدت السؤال على أحد قيادات جمعية الصداقة الصينية العربية، فأعاد عليّ الإجابة نفسها! وما يمكن أن نخلص إليه في المحصلة أن الصين لا تريد أن تترك للغرب مهمة تقديمها للعالم من وجهة نظره، لذا، فإنها تتصل بالعالم بنفسها، وتقدم صورتها له مباشرة.

لكن، هل تتعلق "إزالة الالتباس" بسعي الصين إلى أن تكون دولة عظمى؟ ربما تكون الإجابة عن السؤال: لا، ليس في المدى المنظور. لكن هذه الـ"لا" التي تتعلق بنحو عشرين سنة مقبلة، قد تحمل في طياتها "نعم" ممكنة، لكن، من دون أن تكون شغلاً شاغلاً للصينيين في الوقت الراهن.

يتبنى هذا الرأي محللون ومتابعون ومتخصصون، بمن فيهم الصينيون، لكنه طبعاً سيبدو غريباً للذين يفترضون أن الدول الكبرى في العالم، مثل الصين اليوم، والهند وغيرها، تريد مقارعة الولايات المتحدة على حالة أحادية القطبية التي تتسيد بها العالم، منذ انتصارها في الحرب الباردة، من دون أن يلتفتوا إلى كيفية فهم تلك الدول الكبرى مصالحها، والتي ثبت أنها تنظر إليها من خلال الشراكة مع الولايات المتحدة، أو على أقل تقدير تقاسم المصالح معها في العالم، لكن، بالطبع مع فوارق أخلاقية بين دولة كبرى وأخرى.

بالنسبة للصين، ليس همّها، في المدى المنظور، أميركياً، فخصمها ومنافسها الرئيسي، الآن، هو اليابان، وليس الولايات المتحدة. ثم إن قضيتها الأساسية ليست سياسية، ولا عسكرية، بل اقتصادية وتنموية، تتمحور حول بناء قدرات الدولة وتمكين المواطنين اقتصادياً. كذلك فإن أدوارها الخارجية مشغولة بتوفير النفط الذي لا تتوفر عليه من مصادر داخلية، فتضطر لاستيراده، وبتوسيع أسواق منتجاتها وترويج قدرتها على إنتاج بضائع ذات جودة عالية، جنباً إلى جنب مع البضائع المتدنية الجودة، بمعنى أنها ليست مشغولة أبداً بالآخرين، سواء لمناكفتهم، أو للدفاع عنهم، ولعل في مواقف الصين في مجلس الأمن الدولي دليلاً على ذلك، فأقصى ما تذهب إليه في القضايا الخلافية هو الامتناع عن التصويت.

ضروريٌّ لنا، نحن العرب، أن نفهم الصين من هذه الزوايا، حتى نقيم معها علاقات تفيدنا، بدل الأفكار الانطباعية السائدة حتى بين سياسيينا عن سعي الصين إلى مقارعة القطبية الأميركية. وما يمكن أن يفيدنا في علاقتنا مع الصين هو الانتقال من الطابع التجاري البحت الذي تأخذه علاقتنا معها هذه الأيام، إلى طابع حضاري، يمكن من خلاله للعرب أن يستفيدوا من التطور التكنولوجي الذي أحرزته الصين، في مقابل ما يقدمونه لها من النفط الذي تحتاجه لاستمرار صناعاتها، تماماً كما فعلت الصين نفسها، حين أدارت علاقاتها الاستثمارية مع الغرب بذكاء في السنوات الثلاثين الأخيرة، ودفعت الشركات الغربية إلى نقل التكنولوجيا إلى الصين، وإقامة شراكات صناعية مع الصينيين، أتاحت لهم الاطلاع على جزء من التكنولوجيا المتطورة. والحال إنه ليس معقولاً استمرار علاقتنا مع الصين، على قاعدة "النفط مقابل المال"، بل ثمة حاجة إلى تطويرها إلى قاعدة "النفط مقابل التكنولوجيا"، إن كان ثمة اهتمام، فعلاً، بتطور العالم العربي وتقدمه حضارياً.

نجاحات العالم العربي ستظل رهناً بتقاربه، أو تكامله الاقتصادي، لأن الدول العربية كافة، إما لا تتوفر على الموارد الطبيعية التي تمكّنها من التفاوض على التكنولوجيا، أو أنها لا تتوفر على الموارد البشرية التي تمكّنها من إدارة تلك التكنولوجيا باستقلالية، أو أنها لا تتوفر على شروط أخرى لتحقيق قفزات اقتصادية، قائمة على التصنيع، كالاستقرار الاجتماعي والسياسي، بينما يمكن القول إن العالم العربي، مجتمعاً، لديه تلك الإمكانيات.

المدهش أن الصين حرصت، منذ البداية، على إدارة علاقتها مع العرب، على أساس أنهم وحدة واحدة، من خلال جامعة الدول العربية التي أقامت الصين معها منتدى التعاون الاقتصادي، بينما حصر العلاقة مع الصين، في بعدها التجاري، دون الحضاري، استتبع بالضرورة تعاطي كل دولة عربية معها بشكل منفرد عن "الجماعة العربية الواحدة".

دلالات
1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.