بدأت فكرة تكوين الشركات في القرون السابقة عن طريق شراكات طويلة الآجل ذات بعد عائلي، إذ كانت هذه الشركات تقوم باستغلال واحتكار صناعة أو مهنة محددة. هذا الواقع أتاح لتلك العائلات تكوين قوة في موازين القطاعات التجارية والاستثمارية. بذا، أصبحت الشراكات العائلية تهيمن على نمط تكوين المؤسسات وتتحد مع بعضها البعض وتمسك بزمام أمور المصارف، خصوصاً التي تعتبر الأساس في تكوين أي اقتصاد.
التداولات
ومن رحم تلك الشركات خرجت فكرة التداول في عالم العملات والأسهم. ومن أهم تلك العائلات الأوروبية هي عائلة "فان بورص". حيث أتت كلمة بورصة باشتقاق من الاسم الذي أطلق على مقر التداول في نهاية القرن الثامن عشر في بلجيكا تحديداً، ومن الفندق الذي كانت تديره تلك العائلة.
ولم تختلف التكوينات الاستثمارية والمالية في الوطن العربي عن هذا الإطار التاريخي. فقد كانت الأسر الأرستوقراطية تتحكم بزمام الأمور في الدول العربية، حيث تسيطر على أهم موارد البلاد. وهنا تطورت الأفكار بعدما انطلقت بعض الثورات المحلية العربية لتقود البلاد في أغلبها عبر حكم العسكر أو الحكم الشعبي. ونتائج هذه الثورات فككت الكثير من الشركات العائلية عن طريق التأميم لشركات أجنبية أو حتى محلية. وكان الاختلاف ما بين الورثة المؤسسين السبب وراء الضعف الذي ميز الكثير من تلك الشركات.
وفي الخليج تحديداً كانت العائلات اللبنة الرئيسية وراء وجود شركات ومصارف كبيرة. حيث إن الرغبة في التوسعة للنشاط والحاجة لإعادة تنظيم الرسملة، عن طريق توسيع قاعدة رأس مال الشركة العائلية في الأصل أدى لتوجهها نحو إدراجها في السوق المالية.
وقد عرف الخليج العربي بنك الكويت الوطني كأول ورقة مالية، من خلال تحالف وشراكة عدد من العائلات والتجار المعروفين في الخليج وفي الكويت تحديداً. وهذا أدى إلى إنتشار سريع في الشراكات الأكثر منفعة ما بين العائلات الذين يقودون التجارة. وساهم الإرث في تحقيق المزيد من التداخل ورغبة عدد من الورثة ببيع مليكاتهم لعدم التفرغ أو عدم المعرفة في إدارة شؤون بعض الأعمال التجارية.
وتطورت عملية التداول بعدها لتنطلق بورصة الكويت كأول بورصة في الخليج العربي، بعدما شهد العالم العربي انطلاقة بورصات، منها بورصة الإسكندرية في مصر وبورصتا العراق وفلسطين. وفي جميع تلك البورصات كانت الشركات العائلية هي المسيطرة.
وفي الوقت الحاضر ظهرت سيطرة الصناديق السيادية على الملكيات إلى جانب شركات مملوكة بنسب متفاوتة من العائلات. وأبقت العائلات الكبيرة بعضا من شركاتها بعيداً عن البورصة. وكوّنت الأخيرة أساس زيادة الثروات والحصول على عدة منافع، منها الحصول عبر الممارسات والمناقصات على مشاريع حكومية مختلفة. الأمر الذي يدخل في عملية التحليل المالي عند الرغبة بمعرفة الوضع الخاص بملكيات كبار المساهمين في الشركات المدرجة، وذلك لمعرفة قوة الاستثمار الحالي والمستقبلي لسهم ما.
تخلصت الكثير من الدول الأوروبية والأميركية من سيطرة تلك التكوينات ذات الاتجاه الواحد على الاقتصاد. إلا أنها لا تزال تخضع لعامل القوى الفردية التي تتأثر بمقدار ثروة بعض الأشخاص الذين يقودون التداولات في البورصات العالمية.
أما عربياً لا يزال السوق بعيدا عن تلك الممارسات، مما أدى إلى عدم وجود عمق في البورصات العربية ما يجعلها أكثر عرضه لأي تباين يفقدها الثقة من قبل المتداولين.
على سبيل المثال، خلال الأسابيع الماضية، أثر تراجع سعر النفط وعدم الإتفاق أعضاء "أوبك" في بعض الاجتماعات، إلى تراجع حاد في مؤشرات البورصات الخليجية. وهذا هو أكثر ما يخيف المتداولين ويجعل من تلك العوامل جانباً سلبياً في أذهان المتعاملين في البورصات الخليجية. لكنه سرعان ما سيكون لفك الارتباط حضور في قرارات الشراء التي تتغير وفق السلوك الفردي الذي إن زاد عدده كان أقرب إلى الاستقرار.
وهذا بطبيعة الحال يتعارض مع تركز وجود شركات عائلية في البورصة، وتحويل ذلك الوجود إلى شراكات في سوق الأسهم العربية والخليجية، مما يعطي بعداً إدارياً يضاف إلى الجانب الإيجابي خاصة عند عقد الاجتماعات الدورية للجمعيات العامة للشركات.
أما فيما يتعلق بشركات المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فقد ترغب إدارة البلد الاقتصادية بتعزيز وجود شركات الأفراد أكثر من كيانات العائلات. وهو ما ثبت منفعته في الاقتصاد القومي. ولذلك قد تنصهر ملكيات الأفراد من منظور العائلة إلى مشاريع فردية صغيرة أو متوسطة. بذا سينطلق جيل جديد أكثر مغامرة في تكوين الثروات، ما سيعدّل جزئياً مستويات الدخل القومي. وبالفعل، ترى هذا الاتجاه في السياسات الأخيرة للكثير من الدول العربية. ومن أجل ذلك لا بد من تبني وجود بورصات تقوم على أساس شركات المشاريع الصغيرة والمتوسطة من أجل تعزيز رسملة تلك الشركات.
خبير اقتصادي كويتي
التداولات
ومن رحم تلك الشركات خرجت فكرة التداول في عالم العملات والأسهم. ومن أهم تلك العائلات الأوروبية هي عائلة "فان بورص". حيث أتت كلمة بورصة باشتقاق من الاسم الذي أطلق على مقر التداول في نهاية القرن الثامن عشر في بلجيكا تحديداً، ومن الفندق الذي كانت تديره تلك العائلة.
ولم تختلف التكوينات الاستثمارية والمالية في الوطن العربي عن هذا الإطار التاريخي. فقد كانت الأسر الأرستوقراطية تتحكم بزمام الأمور في الدول العربية، حيث تسيطر على أهم موارد البلاد. وهنا تطورت الأفكار بعدما انطلقت بعض الثورات المحلية العربية لتقود البلاد في أغلبها عبر حكم العسكر أو الحكم الشعبي. ونتائج هذه الثورات فككت الكثير من الشركات العائلية عن طريق التأميم لشركات أجنبية أو حتى محلية. وكان الاختلاف ما بين الورثة المؤسسين السبب وراء الضعف الذي ميز الكثير من تلك الشركات.
وفي الخليج تحديداً كانت العائلات اللبنة الرئيسية وراء وجود شركات ومصارف كبيرة. حيث إن الرغبة في التوسعة للنشاط والحاجة لإعادة تنظيم الرسملة، عن طريق توسيع قاعدة رأس مال الشركة العائلية في الأصل أدى لتوجهها نحو إدراجها في السوق المالية.
وقد عرف الخليج العربي بنك الكويت الوطني كأول ورقة مالية، من خلال تحالف وشراكة عدد من العائلات والتجار المعروفين في الخليج وفي الكويت تحديداً. وهذا أدى إلى إنتشار سريع في الشراكات الأكثر منفعة ما بين العائلات الذين يقودون التجارة. وساهم الإرث في تحقيق المزيد من التداخل ورغبة عدد من الورثة ببيع مليكاتهم لعدم التفرغ أو عدم المعرفة في إدارة شؤون بعض الأعمال التجارية.
وتطورت عملية التداول بعدها لتنطلق بورصة الكويت كأول بورصة في الخليج العربي، بعدما شهد العالم العربي انطلاقة بورصات، منها بورصة الإسكندرية في مصر وبورصتا العراق وفلسطين. وفي جميع تلك البورصات كانت الشركات العائلية هي المسيطرة.
وفي الوقت الحاضر ظهرت سيطرة الصناديق السيادية على الملكيات إلى جانب شركات مملوكة بنسب متفاوتة من العائلات. وأبقت العائلات الكبيرة بعضا من شركاتها بعيداً عن البورصة. وكوّنت الأخيرة أساس زيادة الثروات والحصول على عدة منافع، منها الحصول عبر الممارسات والمناقصات على مشاريع حكومية مختلفة. الأمر الذي يدخل في عملية التحليل المالي عند الرغبة بمعرفة الوضع الخاص بملكيات كبار المساهمين في الشركات المدرجة، وذلك لمعرفة قوة الاستثمار الحالي والمستقبلي لسهم ما.
تخلصت الكثير من الدول الأوروبية والأميركية من سيطرة تلك التكوينات ذات الاتجاه الواحد على الاقتصاد. إلا أنها لا تزال تخضع لعامل القوى الفردية التي تتأثر بمقدار ثروة بعض الأشخاص الذين يقودون التداولات في البورصات العالمية.
أما عربياً لا يزال السوق بعيدا عن تلك الممارسات، مما أدى إلى عدم وجود عمق في البورصات العربية ما يجعلها أكثر عرضه لأي تباين يفقدها الثقة من قبل المتداولين.
على سبيل المثال، خلال الأسابيع الماضية، أثر تراجع سعر النفط وعدم الإتفاق أعضاء "أوبك" في بعض الاجتماعات، إلى تراجع حاد في مؤشرات البورصات الخليجية. وهذا هو أكثر ما يخيف المتداولين ويجعل من تلك العوامل جانباً سلبياً في أذهان المتعاملين في البورصات الخليجية. لكنه سرعان ما سيكون لفك الارتباط حضور في قرارات الشراء التي تتغير وفق السلوك الفردي الذي إن زاد عدده كان أقرب إلى الاستقرار.
وهذا بطبيعة الحال يتعارض مع تركز وجود شركات عائلية في البورصة، وتحويل ذلك الوجود إلى شراكات في سوق الأسهم العربية والخليجية، مما يعطي بعداً إدارياً يضاف إلى الجانب الإيجابي خاصة عند عقد الاجتماعات الدورية للجمعيات العامة للشركات.
أما فيما يتعلق بشركات المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فقد ترغب إدارة البلد الاقتصادية بتعزيز وجود شركات الأفراد أكثر من كيانات العائلات. وهو ما ثبت منفعته في الاقتصاد القومي. ولذلك قد تنصهر ملكيات الأفراد من منظور العائلة إلى مشاريع فردية صغيرة أو متوسطة. بذا سينطلق جيل جديد أكثر مغامرة في تكوين الثروات، ما سيعدّل جزئياً مستويات الدخل القومي. وبالفعل، ترى هذا الاتجاه في السياسات الأخيرة للكثير من الدول العربية. ومن أجل ذلك لا بد من تبني وجود بورصات تقوم على أساس شركات المشاريع الصغيرة والمتوسطة من أجل تعزيز رسملة تلك الشركات.
خبير اقتصادي كويتي