وطن الشعب العربي

03 سبتمبر 2015
المنطقة العربية في مواقع متدنية رغم النفط (Getty)
+ الخط -
"وطني بيكبر وبيتحرّر.. وطني وطني"

قلنا إنّ سكان المنطقة العربية من عرب وغيرهم نحو 400 مليون نسمة، أي 5.7 % من سكان الكوكب. يفترض أن يحصل هؤلاء على نسبة مماثلة من الثروة على صعد الإنتاج العالمي الصناعي والزراعي والثقافي والفني والعلمي وغير ذلك.

ورغم ما نزعمه عن أهمية اقتصاد النفط ودوره في التجارة والصناعة العالمية، فإنّ المنطقة العربية بما فيها الدول المصدرة لهذه السلعة الحيوية، في مواقع متدنية في شتى مناحي الحياة بتنوعها، بالمقارنة مع الدول المتقدمة. وأكثرها لا تملك مواد أولية تستخدمها في صناعاتها.

المنطقة العربية تعيش الآن زلزالاً لم تعرف له مثيلاً طوال تاريخها. لم يعد هناك من مجال للحديث عن الوحدة الكبرى. قد يكون الطموح الآن هو الحفاظ على الوحدات الصغرى، أي الكيانات التي جرى تفصيل قياساتها بعد الحرب العالمية الأولى. لكن ماذا عن الوحدات الصغرى؟ وهل ما زالت موجودة أساساً؟

من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، الحديث عن وحدة العديد من الكيانات التي تمزّقت وباتت أشلاء متناثرة على وقع المذابح وعمليات التطهير اليومية. بعض الكيانات تحافظ على تماسكها بصعوبات بالغة وتتعرض لأخطار حقيقية، تعمل على درئها بقواها الأمنية وغير الأمنية.

طوال تاريخ المنطقة منذ الفتح العربي وقبله، وحتى الأمس القريب لم تشهد هذه الأرض تحدياً كالذي تتعرض له. حافظ العرب الفاتحون الأوائل ثم الأمويون والعباسيون والفاطميون والأيوبيون والمماليك والعثمانيون على النسيج الاجتماعي للسكان في المدن والأرياف، من دون أن يتلاعبوا بوجوده العريق. وكان لكلّ جماعة دورها في إطار دولة مركزية كبرى مترامية الأطراف، أو حتى غير مركزية. ورضي حكامها بمتابعة الجميع مسيرة حياتهم، مشترطين عليهم عدم الخروج على السلطة فقط. وظلّ الناس على عقائدهم وتابعوا عملهم مقابل محض ولائهم، ودفع ما يتوجب عليهم من ضرائب.

حياة المدن العربية والإسلامية تشهد على التنوع والتعددية التي افتقدتها أوروبا العصور الوسطى. ليس صحيحاً أنّ كلّ الدول التي تعاقبت على حكم المنطقة عجزت عن محو هذه الأقلية أو تلك، بل الصحيح أنّ ذلك لم يكن وارداً لديها.

الآن يُهدم بنيان قوام المجتمعات العربية بمكوناتها البشرية. الآن نحيا في ظلام الكارثة من دون أن تبدو في الأفق عودة إلى ما درجت عليه المجتمعات من تنوّع وتفاعل أنتج ما أنتج وبات بحاجة ماسة إلى تحديث وعصرنة. المشاريع الطوائفية الأصولية تجتهد في العمل على دك هذا البنيان الحضاري بكلّ مظاهر جذوره العميقة والراسخة.

*أستاذ في كلية التربية، الجامعة اللبنانية

إقرأ أيضاً: وطني حبيبي صنع وزرع وبنى... ذات يوم
دلالات