فجأة بدأ مقاتلو البنيان المرصوص يصرخون (دقمة دقمة)، وكانوا يقصدون السيارة المفخخة التي يقودها انتحاري بالعامية الليبية، وإذا بها تتّجه نحونا بسرعة جنونية، ولكنها انفجرت قبل وصولها إلينا، بعد أن تمكّن أحد المقاتلين من إصابتها بقذيفة مدفعية.
أحمد الرويسي كان مُجرّد عرّاف يملك محلّا لقراءة الطّالع، وكان يتردد على قصر قرطاج الرّئاسي، ليقرأ طالع السيّدة الأولى في عهد نظام بن علي، وتحوّله الدراماتيكي إلى أمير في "داعش"، يُرجّح فرضيّة أن التنظيم لم يكن سوى غطاء لجهد استخباراتي.
من بين القصص التي أثارتها هيئة الحقيقة والكرامة في هذا الإطار، كانت قصة الشهيد كمال المطماطي، على لسان زوجته لطيفة المطماطي ووالدته فاطمة خير، شاهدًا على بشاعة نظام احترف التدمير الجسدي والمعنوي لمعارضيه وذويهم.
بعد وصولي لشباك ختم الجوازات، وهو شباك خاص بالأجانب، خُتم الجواز ليستلمني أمني آخر ليستجوبني حول ما أتى بي لليبيا. إجابتي بأني صحافي لم تكن كافية على ما يبدو، فطلب مني إثبات ذلك ولم يكن بحوزتي بطاقة الصحافي.
عاشت تونس الأسبوع الماضي على وقع جلسات الاستماع العلنية الأولى التي نظّمتها هيئة الحقيقة والكرامة بهدف كشف الفظاعات التي عانى منها التونسيون خلال حقبتي الاستبداد اللتين تلتا استقلال البلاد من الاحتلال الفرنسي. هنا، وقفة عند أبرز الجلسات.
رغم اقتراب لحظة "التحرير"، يبدو مُستقبل المدينة – سرت – غامضًا، فبمُجرّد السّؤال عن تصوّر الفاعلين السياسيين أو العسكريين لكيفيّة إدارة المدينة بعد تحريرها، تكون الإجابات في مُجملها غير قاطعة وأقرب للتخمينات منها للرّؤى والبرامج الواضحة.
لم يُفاجئني إصرار موظّف الإجراء الحدودي خاصّة مع ارتفاع عدد الشباب التونسيين المُلتحقين ببؤر التوتر، بل لم يُفاجئني حتى تعليقه بعد ختم جواز سفري عندما قال: "آمل ألا تعود لنا داعشيًا!".
إن ضرب مبدأ حرية الحركة البشرية والانغلاق المُجتمعي، والتصدّي للمهاجرين والتهديد بضرب حرية الحركة التجارية انتقامًا من الغزو التجاري الصيني وتحت ذريعة حماية النسيج الاقتصادي الأميركي، هي شعارات أصيلة في حملة ترامب، تُعد بلا شك انتفاضة ضد العولمة.
رغم الاهتمام المُتزايد بالهجرة غير النظامية أو الهجرة السرية من طرف مراكز صنع القرار الغربي خاصّة، ثمة جانب آخر من الهجرة مسكوت عنه وهو هجرة الأدمغة. كفاءات لم تقدر أنظمتنا العربية المُختلفة على توطينها في بيئتها الأم.
قد لا نُبالغ حينما نقول إن غياب الشّباب النّاشط والفاعل ميدانيًا في أرجاء مُجتمعاتنا هو الذي يُتيح لمُبرمجي العقول الانفراد بضحاياهم من الشباب الذين ينتهي بهم الأمر أشلاء في إحدى ساحات الوغى المغلوطة. الحل بيد الشباب أنفسهم.