الانتخابات الأميركية والأحداث العالمية
ينتظرُ العالم الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستقُام بعد نصف عام، وهي أكثر انتخابات رئاسية في العالم تشغل الرأي العام العالمي، وذلك لأنها تؤثر في كثيرٍ من توجّهات السياسة العالمية. وما يزيد من أهميةِ هذه الانتخابات ونظر الناس إليها وانتظار نتائجها، أنّها تأتي في سياقٍ عالمي متوتّر، خاصة الحرب الروسية الأوكرانية. أمّا الحرب على غزّة، فقد أخطأ من ظنّ أو اعتقد أنّ الانتخابات الرئاسية الأميركية ستأتي بجديدٍ أو تنتج تغييرًا في ما يخصّها.
وإن كانت أغلب تصريحات الرئيس السابق، دونالد ترامب، هي حول روسيا وأوكرانيا كما أعتقد، فهو لم يتطرّق إلى موضوع غزّة إلّا لمامًا، بما يعني أنّ هناك اتفاقًا أميركيًا أميركيًا حول دعم ما يحدث في غزّة، وحتى حين يُعرّج ترامب على ذكر غزّة، وما يحدث فيها من قتلٍ للأطفال واستباحة للأعراض وتدمير للبنيان، فإنّ تصريحاته تأتي متوافقة ومنسجمة مع توجّه إدارة الرئيس الحالي، جو بايدن.
وإذا كان الموقف من أحداث غزّة، مهما كانت الإدارة الأميركية القادمة، ثابتًا، ولن يتغيّر بتغيّر ساكن البيت الأبيض، فماذا عن روسيا وأوكرانيا والصراع الذي يجري بينهما؟
إذا قُدّر للإدارة الحالية أن تستمر بعد الانتخابات القادمة، فإنّها ستستمر في سياستها تجاه الأزمة الأوكرانية، ولن تحيد عن موقفها هذا إلّا لعلّةٍ قويةٍ، وسببٍ حقيقي يؤدي إلى تأزّم الأوضاع بما يدفع إلى تراجع الولايات المتحدة، ومن خلفها الغرب الجماعي.
أمّا إذا أتت هذه الانتخابات بدونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فرغم وعوده بأنّه سينهي هذه الحرب بسرعة ويوقف ذلك الصراع على عجل، إلا أنّه لن يفعل ذلك إلّا إذا كان الوضع فعلًا قد وصل بالولايات المتحدة إلى أن تنفض يدها وتتراجع، وعندها سيكون تغيير الرئيس والإدارة الأميركية، مجرّد غطاء لحفظ ماء الوجه. فأن يسير دونالد ترامب عكس التيار، وعكس الدولة العميقة هو أمر مستبعد، خاصة أنّه يتملّق كثيرًا لليهود، ويتخذ كلّ السبل للتقرّب منهم وإرضائهم.
أخطأ من ظنّ أو اعتقد أنّ الانتخابات الرئاسية الأميركية ستأتي بجديدٍ أو تنتج تغييرًا، في ما يخصّ الحرب على غزّة
فلو كان ترامب يسير على غير ما ترتضيه الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية، لكانت إدارة بايدن عملت على التراجع عن كلّ القرارات التي اتخذها ترامب، وهو أمر لم يحصل، إلا لبعض القرارات ربّما.
فلو نجح ترامب وذهب إلى إيقاف الدعم لأوكرانيا ونفض يده منها، فإنّ هذا لا يزيد عن كونه تراجعاً على مستوى الدولة الأميركية بمؤسساتها العميقة، وليس توجهًا لترامب وحده، وإنّما الأخير سيكون مجرّد غطاء لحفظ ماء الوجه، وعدم ظهور الولايات المتحدة بمظهر الهزيمة.
وبالعودة إلى مسألةِ الحرب على غزّة، وما طلبه ترامب من (بنيامين) نتنياهو بأن يُنهي الحرب بسرعة، فهذا الطلب ليس صريحًا في المعنى، ولا واضحًا في دلالته بما يعنيه ترامب وما يصبو إليه، وإنّما هو حمّال أوجه، ويمكن توجيهه في عدّة اتجاهات، وأظنّ أن الإجمال هنا مقصود، تقرّبًا لأكبر عدد من الناخبين، وإنهاء الحرب هنا، ربّما أُريد به إيقافها، وهذا ممّا يحتمله المعنى، أو ربّما أُريد به تدمير ما بقي من غزّة والقضاء على "حماس" في أقرب وقت.