التطبيع العربي الإيراني وحصار إسرائيل
مشكلتنا في العالم العربي أننا أصبحنا نعيش على الانتصارات الوهمية، ويزيدها عظمة في أعيننا ويرفع قيمتها عندنا ذلك الدور الإعلامي، الذي يحرص جاهداً على تضخيمها وتصويرها بصورة النصر الحقيقي.
ومن هذه الانتصارات الوهمية التي يعيش فيها العالم العربي والإسلامي اليوم، ما رُوّج له من أنّ التطبيع الذي حصل بين السعودية ومصر من جهة، وبين إيران من جهة أخرى، ليس إلا ضربة لدولة إسرائيل وحصاراً لها، وأنّ هذا الاتفاق الخاص سيجعلها تخضع رغماً عن أنفها! ومن الناس من ذهب إلى القول إنّ التطبيع العربي الإيراني بداية لنهاية العلاقات العربية الإسرائيلية. والذي قيل حول التطبيع العربي الإيراني هو نفسه، وأكثر منه، قيل حول التطبيع العربي التركي.
ونحن نمنّي النفس ونأمل أن يكون الأمر كما رُوّج له حقاً، وألا يكون مجرّد مزايدات على حساب فلسطين وشعبها. ولكن هناك من الدلائل ما ينافي أن يكون هذا التطبيع الحاصل في العلاقات العربية الإيرانية، والعلاقات العربية التركية، حصاراً لإسرائيل وضغطاً عليها.
ومن هذه الدلائل أنّ هذه الدول، التي طبّعت علاقاتها فيما بينها، لا يوجد في الاتفاقيات الموّقعة بينها أي اتفاق عسكري، وحتى الآن لم تقم أيّ حلف للدفاع المشترك. هناك كلام حول حدوث اتفاق بحري بين إيران ودول الخليج، لكن هذا النوع من التفاهمات والاتفاقات لا علاقة له من قريب أو بعيد بالدفاع المشترك، وإنما عمله محاربة التهريب والمخدرات وغيرها مما تعاني منه المنطقة البحرية.
كما أنّ هذه ليست المرة الأولى التي تصبح فيها العلاقات طبيعية وعادية بين تلكم الدول، فقد كانت كذلك من قبل، ولم تشكّل أيّ خطر على إسرائيل.
أضف إلى ذلك أنّ من هذه الدول من يعيش حتى الآن تحت مظلّة الحماية الأميركية، وحتى في توّجهها نحو الشرق المتمثل في روسيا والصين، فإنّ هذه الدول لم تعقد حتى اللحظة تحالفات عسكرية مع الصين أو روسيا، وبقيت تحت الحماية الأميركية، فكيف تُحاصر إسرائيل، وهي تحت حماية الأخت الكبرى لإسرائيل؟
إنّ الترويج لهذه الأشياء، والمبالغة في تعظيمها، لن يقدّما شيئاً لهذه الأمة، وإنما ضرره عليها أكبر من نفعه لها، والذي جرى في عودة العلاقات هذه أنّها لا تخرج عن أحد أمرين، جلب المصلحة، أو دفع المفسدة، والذي أميل له لا يزيد عن كونه دفع للمفسدة المترتبة عن العداء والصراع.