ارتفع سعر عملة بيتكوين، الأشهر بين العملات الرقمية، خلال شهر مارس/ آذار الماضي بنسبة 24.85%، ليصل إلى 28.340 ألف دولار، مع نهاية تعاملات الشهر يوم الجمعة، مستفيدة من الاضطرابات الأخيرة التي شهدها القطاع المصرفي في العالم، واستمرار البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم.
وشهد سوق العملات الرقمية ارتفاعاً ملحوظاً ودخول سيولة ضخمة، بعد أن أعلن مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) ووزارة الخزانة والمؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع في الولايات المتحدة عن خطة لإنقاذ عملاء بنك سيليكون فالي، وارتفعت عملة بيتكوين عقب أزمة البنك المنهار بنسبة 15.13%، وجرى تداولها في نطاق 28 ألف دولار.
وقفزت عملة "بيتكوين" والعملات المشفرة الأخرى على مدار تعاملات شهر مارس، على الرغم من الضغوط التي تتعرض لها بورصة "بينانس" أكبر أسواق العملات المشفرة في العالم، والتي تواجه دعوى قضائية من لجنة تداول العقود الآجلة للسلع الأولية الأميركية، وسجلت العملة مستويات جديدة لم تشهدها منذ سلسلة الانهيارات المتتالية للعملات المشفرة وسقوط بعض الأسماء البارزة في يونيو/ حزيران من العام الماضي.
وهناك العديد من العوامل دفعت بيتكوين إلى الارتفاع مع تفاقم الأزمة المالية للبنوك، فقد أدى انهيار البنوك الأميركية الثلاثة "سيلفرغيت" و"سيغنِتشر" و"سيليكون فالي"، إلى حدوث صدمة ومخاوف عبر الأسواق المالية العالمية، إلا أن ذلك، وبطريقة غير متوقعة، ساعد على انتعاش سعر بيتكوين والكثير من العملات الرقمية الأخرى.
تداعيات أزمة البنوك
وسلط فشل بنك سيليكون فالي وبنوك أخرى الضوء على قوة العملات اللامركزية التي يمكن للأفراد الاحتفاظ بها وامتلاكها بشكل كامل، وبدأ الكثير من الناس يفهمون ويستوعبون دور الخدمات المالية اللامركزية.
وبيتكوين عملة مشفرة لامركزية، لأنها لا تصدر من قبل كيان واحد مثل البنك المركزي، بل تعتمد على تقنية أساسية تسمى "البلوك تشين" أو سلاسل الكتل، وتستعمل لبناء شبكة تجري وتسجل عليها جميع التعاملات، وتدار من قبل جميع المشاركين في الشبكة.
وأعاد تدخل الهيئات الرقابية والسلطات المالية من أجل ضمان وحماية ودائع العملاء في البنوك المفلسة إلى أذهان المستثمرين أوجه القصور الهيكلية في النظام المصرفي الأميركي والأسباب التي دفعت إلى استخدام بيتكوين، حيث يرى أنصار بيتكوين أن العملة الرقمية وسيلة للمستثمرين لحماية أنفسهم من تحركات البنك المركزي، خاصة برنامج التيسير الكمي والسياسة النقدية المتساهلة، والتي يقولون إنها تضعف قيمة العملة الدولار.
وعلى الرغم من أن رصد تحركات أسعار العملات المشفرة خلال شهر مارس/ آذار الماضي يشير إلى إمكانية تسجيل مزيد من الارتفاعات خلال إبريل/ نيسان الجاري، مستفيدة من أزمة المصارف التي لم تنته، وهو ما أكده الرئيس الأميركي جو بايدن منذ أيام، فإن هناك حاجزي مقاومة، يمثلان عاملاً نفسياً للمتعاملين في أسواق العملات المشفرة، الحاجز الأول والرئيسي عند مستوى 30 ألف دولار مقابل البيتكوين الواحدة، وقد يتخطاه مع دخول فصل الصيف القادم، وفقاً لتوقعات كبار المحللين في الأسواق العالمية، والحاجز الثاني، أو حاجز المقاومة الثانوي، يتمثل في مستوى 35 ألف دولار مقابل بيتكوين، والذي قد يكون قاعدة للانطلاق ليقترب من المستوى القياسي المسجل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 والبالغ 68 ألف دولار.
بورصة بينانس
وبالعودة إلى بينانس أكبر بورصة للعملات المشفرة في العالم، والتي تأسست عام 2017، نجد أنها تعاني متاعب جمّة، خاصة بعد تضييق بكين الخناق على تداول العملات المشفرة، لتزداد الضغوط عليها بعد انتقال المنصّة إلى اليابان، لتواجه قيوداً جديدة ولوائح صارمة، ويتطور الأمر سريعاً لتواجه حالياً اتهامات بغسل الأموال، وتحقيقات من قبل السلطات الأميركية.
وحسب بيانات منصّة "كوين ماركت كاب"، المختصة في تعقب القيم السوقية للعملات الرقمية، فإنّ أهمية بورصة بينانس تكمن في أن حجم التداول اليومي بها بلغ نحو 76 مليار دولار في أغسطس/ آب 2022، كما أن لدى "بينانس" ما يربو عن 90 مليون عميل حول العالم، ويمكن للمستخدمين شراء أصولهم الرقمية وبيعها وتخزينها، كما يمكن للعملاء أيضاً الوصول إلى أكثر من 350 عملة مشفرة مدرجة وآلاف أزواج التداول.
ومن الأسباب السابق ذكرها، نجد أن لدى بيتكوين قاعدة متينة، تمكنها من البقاء، ومواجهة التحديات المفروضة عليها حالياً، إلا أن تلك القاعدة لا تمنحها حصانة ضد ارتفاع مخاطر التعامل عليها، فحتى اليوم يتذكر الجميع الانهيار الذي لحق بالعملات المشفرة، والخراب الذي حل بملايين المتعاملين حول العالم، نتيجة التراجع الشديد لسعر العملات المشفرة، وفي مقدمتها بيتكوين.
وتعاني حالياً "بينانس" من تراجع الاستثمار في العملات المشفرة بشكلٍ عام، لا سيَّما أنّ ثمة تراجع كبير تشهده هذه السوق، فضلاً على انخفاض قيمة عملة بيتكوين إلى نحو 22 ألف دولار بعدما وصلت في بعض الأوقات إلى 65 ألف دولار، كما تراجعت قيمة عملة بينانس نفسها، إثر فرض وزارة الخزانة الأميركية قيوداً صارمة عليها.
ومن المستبعد أن يحدث انهيار لـ"بينانس" على الأقل في الوقت الحالي، حيث سيكون له تأثير قوي للغاية على السوق، وسيكون أقرب إلى أزمة مالية عالمية، فضلاً عن دفع البعض للابتعاد عن الاستثمار في الأصول المشفرة، لكن في الوقت نفسه قد يدفع هذا الانهيار تقنية البلوك تشين قدماً.