يبدو أن قانون زيادة الضرائب الأخير كان القشة الأخيرة التي قصمت ظهر المواطن الأردني الذي لم يعد يحتمل زيادات أخرى في أسعار السلع والخدمات، ولم تعد لديه القدرة على تحمل أي أعباء معيشية جديدة، بخاصة أن الحكومة، ومنذ أكثر من 7 أعوام، لم تقر أي زيادة على الرواتب والأجور.
ولذا، لم تكن انتفاضة الأردنيين الأخيرة وليدة اللحظة كما يظن بعضهم، ولم تكن كذلك الإضرابات الواسعة التي قاموا بها وامتدت إلى كل المدن الأردنية اعتراضا على مشروع قانون يقضي بزيادة الضرائب على الدخل، وإنما جاءت نتيجة تراكمات وأعباء مالية وقرارات اتخذتها الحكومة واستهدفت بالدرجة الأولى الطبقات المتوسط والفقيرة، كما استهدفت استنزاف جيوب المواطنين الخاوية عبر إجراء زيادات متواصلة في الأسعار والضرائب.
على مدى الشهور الماضية، طبقت الحكومة اجراءات تقشفية عنيفة وقرارات استفزازية مست جيب المواطن مباشرة. مثلا، تم تحرير أسعار الخبز ورفع الدعم عنه، وبالتالي زيادة أسعاره بنسب قياسية اعتبارا من بداية فبراير/ شباط الماضي. وقبلها بشهر رُفعت أسعار الكهرباء بناء على تعليمات صندوق النقد الدولي. كما فرضت الحكومة زيادة حادة في الضرائب والرسوم وفواتير الكهرباء. وهناك زيادات مستمرة في أسعار المشتقات البترولية من بنزين وسولار وغاز. وصاحبَ ذلك كله رفعُ الضريبة العامة على المبيعات لتصبح 10% على بعض السلع المعفاة.
ولعبت هذه الإجراءات وغيرها دوراً في انخفاض القدرات الشرائية للمواطنين وتفاقم أزمتَي الفقر والبطالة في البلاد. فالبطالة مثلاً تجاوزت 18.4% في إبريل/نيسان الماضي، فيما زادت نسبة الفقر على 14%، وتقل معدلات النمو المحققة عن 2.5% منذ عدة سنوات.
ومع تصاعد إضرابات الأردن ونجاحها في فرض نفسها على الأرض وإقالة حكومة هاني الملقي، يمكننا أن نرصد عدة ملاحظات علها تتحول لدروس وعبر لحكومات عربية أخرى تمارس الدور ذاته الذي لعبته الحكومات العربية المتعاقبة.
الملاحظة الأولى
النظام الأردني لم يعالج الأسباب الحقيقة التي أدت إلى اندلاع الإضرابات الأخيرة، فلم يسحب مشروع قانون الضرائب الجديد الذي أشعلها، ولم يخفض أسعار السلع الجماهيرية أو الضرائب والرسوم، ولم يُعد الدعم إلى الخبز، بل مارس لعبته التقليدية وهي تغيير الحكومات والوزراء، وقد تكرر هذا الأمر عدة مرات خلال السنوات الثلاث الأخيرة التي اتخذت فيها الحكومة إجراءاتٍ عنيفة بحق المواطن استجابة لتوجيهات وإملاءات صندوق النقد الدولي الذي ألزم المملكة بتطبيق إصلاحات اقتصادية مقابل الحصول على قروض جديدة لسداد ديونها المتفاقمة التي تجاوزت 38 مليار دولار.
الملاحظة الثانية
الضغط المستمر على المواطن يولد الانفجار، ومهما امتلك النظام الحاكم من أدوات قمع وسلطة قوية، فإن الانفجار قد يحدث في أي لحظة، ولن يستطيع أحد السيطرة عليه حتى ولو بإقالة الحكومة والاستغناء عن الوزراء وكبار المسؤولين، وهو ما يحدث في الأردن حالياً.
الملاحظة الثالثة
الجري وراء صندوق النقد الدولي وإدمان سياساته وتطبيق برامجه لضمان استمرارية قروضه، هو خطر شديد على الوطن والمواطن، ولعب بالنار. ورهان الحكومة على الصندوق وغيره من المؤسسات التمويلية لتحقيق تنمية حقيقية أو حتى في توفير فرص عمل والحد من الفقر والبطالة وعجز الموازنة العامة هو رهان خاسر.
وبالتالي، فإن على الأنظمة أن تبحث عن بدائل أخرى لتحسين حال المواطن وزيادة الإيرادات العامة، ليس من بينها اللجوء دوما إلى جيب المواطن واستسهال الاقتراض خاصة الخارجي، من بين هذه البدائل مثلا الاستفادة من الموارد المتاحة داخل المجتمع ومكافحة الفساد والعمل على إيجاد خطط اقتصادية وطنية بديلة.
الملاحظة الرابعة
الشباب لا يزال حاضرا في المشهد السياسي والاقتصادي العربي على رغم الإحباطات الناتجة من إجهاض ثورات الربيع العربي عبر الثورات المضادة، والاحتجاجات الأردنية واللبنانية والجزائرية والتونسية تشير إلى تنامي الوعي السياسي بين الشباب، وبالتالي، فإن تجاهل الشباب في القرارات السياسة والاقتصادية هو خطأ فادح.
أزمة الأردن الاقتصادية أكبر من مجرّد حلها بإقالة الحكومة، والاحتجاجات الحالية ليست مجالاً للاستثمار من السلطة الحاكمة في الضغط على مانحين دوليين ودول خليجية للحصول على مزيد من المساعدات المالية، أو إقناع صندوق النقد الدولي بعدم الضغط لتطبيق مزيد من الإجراءات التقشفية، بما فيها زيادة الضرائب وخفض الدعم، لكنها أزمة حقيقية يجب التعامل معها بجدية حتى لا تتحول الإضرابات إلى بركان أو ثورة فقراء تأكل الأخضر واليابس.
الأردنيون ثاروا ومعدل التضخم لديهم لا يتجاوز 4.6%، حسب أحدث الأرقام، فماذا عن الشعوب العربية التي يتجاوز معدل التضخم في دولها 30% وربما 50%؟