إهدار خبز الجزائريين: 4 ملايين رغيف "في القمامة" تعيد فتح ملف الدعم
بات الخبز المهدور في الجزائر قضيّة تؤرّق الحكومة التي لم تتمكن من إيجاد حلٍ ناجع لها. وعلى الرغم من أن الخبز يُعَدّ مهما جداً بالنسبة للمواطنين، إلا أن فاتورة الخبز المدعم، والمهدور منه، فتحت النقاش في الجزائر حول ضرورة مراجعة نظام الدعم في البلاد، لكبح التبذير، خاصة في المواد الاستهلاكية والطاقية.
ومع تكرار مشاهد تراكم الخبز أمام القمامات في شوارع مختلف محافظات الجزائر، نشرت وزارة الداخلية والجماعات المحلية أرقاما مرعبة حول حجم تبذير مادة الخبز في البلاد، حيث كشفت في تحقيق ميداني قامت به مصالحها أن الجزائريين قاموا برمي كميات هائلة من الخبز في الفترة الممتدة بين 13 إبريل/نسان المنصرم والثاني من مايو/أيار الحالي.
وحسب أرقام الداخلية والجماعات المحلية الجزائرية، فإن حجم ما تم إهداره من خبز في 20 يوماً، تجاوز مليون كيلوغرام (4 ملايين رغيف)، وكانت محافظة البليدة الأكثر تبذيرا للخبز بـ 566243 رغيف خبز، تتبعها محافظة الجلفة بـ 242972 رغيفا، ثم تلمسان بـ 235447 خبزة، فعنابة بـ 216893 خبزة، والعاصمة الجزائر بـ 150398 خبزة.
وتتكرّر في الجزائر مشاهد الطوابير الطويلة أمام الأفران والمحلات التي تبيع الخبز، فيما يتزايد التهافت على اقتناء الخبز بمختلف أنواعه في المناسبات كشهر رمضان.
وكذلك، تتكرّر مشاهد باعة الخبز على الأرصفة، خصوصا على الطرقات السريعة وفي أسواق الخضار والفواكه. ومن جهة أخرى، تزدهر عمليات جمع الخبز "اليابس" وبيعه في الجزائر التي يقبل عليها الصغار والكبار على حدّ سواء، وذلك في باحات المباني والشوارع، ثمّ يبيعونه لمربّي الخراف والأبقار والدجاج.
وفي اتصال هاتفي لـ "العربي الجديد" بالأمين العام لاتحاد الخبازين الجزائريين، أكد يوسف قلفاط، أنه على الرغم من تراجع استهلاك العائلات الجزائرية للخبز في رمضان هذه السنة، إلا أن الإقبال على هذه المادة ما زال كبيراً، مضيفاً أن المخابز على المستوى الوطني تنتج يومياً في رمضان 23 مليون رغيف خبز لـ 42 مليون جزائري، مقابل 20 مليون رغيف في الأيام العادية، موجهة للاستهلاك المنزلي، من دون احتساب الخبز الموجه للمطاعم والفنادق وغيرها من الخدمات الربحية، ما يجعل كمية ما يُنتج في غير رمضان بين 35 و40 مليون رغيف خبز يوميا".
من جهته، رأى الناطق الرسمي باسم اتحاد التجار والحرفيين الجزائريين، طاهر بولنوار، أن "أكثر السلع عرضة للتبذير هي المواد المدعمة من طرف الدولة، كالخبز والحليب والسكر والزيت وغيرها".
وأشار بولنوار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التبذير لا يقتصر على البيوت والمطاعم، بل حتى على مستوى غرف تبريد المواد الغذائية والخضر والفواكه التي صار يمتلكها كل من هب ودب من أصحاب رؤوس الأموال، من دون دراية منهم بشروط الحفظ والتبريد". واعتبر أن "همهم الوحيد هو الربح السريع وحسب، حيث يفسد كل شهر ما نسبته 10 في المائة من هذه المواد داخل غرف التبريد".
وتعتبر الجزائر من أكثر الدول استيرادا للقمح، إذ تقدر فاتورة قمح الجزائر بين 1.2 و1.5 مليار دولار سنويا، فيما حددت الحكومة سعر رغيف الخبز المدعم بـ 8.5 دنانير جزائرية (الدولار = نحو 134 دينارا)، فيما يقدر سعره الحقيقي بـ15 دينارا للرغيف الواحد.
وإلى ذلك، قال رئيس جمعية حماية وإرشاد المستهلك، مصطفى زبدي، إن "العائلة الجزائرية كانت تعتمد على جمع "العولة" وهي عملية ادخار المواد الغذائية خوفاً من نفادها، لكن هذا السلوك دعمه في الوقت الحالي انعدام الثقة بين المستهلك والجهات الوصية، بسبب الارتفاعات المفاجئة في أسعار المواد الاستهلاكية، إذ لازال المواطن الجزائري يسرف ويبذر المواد الغذائية بشكر كبير".
كما لفت زبدي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى "انعدام التنسيق بين أفراد العائلة الواحدة في شراء المواد الغذائية الاستهلاكية حيث إنه في عائلة واحدة يشتري كل فرد الخبز، ولا يأكلون منه إلا القليل فيما يرمون الباقي في القمامة، خاصة الخبز الذي لا يمكن أكله في اليوم التالي لرداءة نوعيته وعدم مطابقته المعايير المطلوبة."
وشدد زبدي على ضرورة "مراجعة سياسة الدعم، خاصة على المواد التي تشهد تبذيرا كبيرا كالخبز، لكي يعرف المواطن قيمة هذه المادة وما تدفعه الدولة لتوفيرها، مقارنة مع دول أخرى تكاد تفتقر إليها وبالتالي يتم الحفاظ على هذه السلع المهمة".
ويعاني الجزائريون من أزمات معيشية خانقة وارتفاع كبير في أسعار السلع. وحسب بيانات رسمية، ارتفعت نسبة التضخم السنوي للمواد الغذائية في يناير/كانون الثاني 2021 بنسبة واحد في المائة، وهو تغير نتيجة تطور المنتجات الفلاحية الطازجة والمواد الغذائية الصناعية.