تسببت الأزمة السياسية والأمنية المترتبة على الإعلان الأولي عن نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية التي أجريت في العاشر من الشهر الماضي، في تفخيخ عدد من الملفات الاقتصادية، ومنها تأخير إقرار الموازنة وصرف الرواتب ومزيد من الانكماش لعمليات البيع والشراء وتعطيل المشاريع.
وتطرح الأزمة الحالية سيناريو صعوبة ولادة حكومة عراقية كاملة الصلاحيات قبل نهاية العام الحالي، ما يعني أن مسألة إقرار الموازنة لعام 2022 لن تكون متاحة، وسط استمرار تذبذب قيمة الدينار العراقي أمام العملة الأميركية ما بين 1470، وأكثر من 1480 ديناراً للدولار الواحد.
مواطنون يخشون من دخول العراق في أزمة جديدة تتعلق بأزمة الرواتب إذا ما استمرت الخلافات حول التحالفات السياسية وتشكيل الحكومة الجديدة
وأظهرت نتائج الانتخابات الأولية تراجعاً واضحاً لعدد من القوى السياسية الحليفة لطهران، وما رافقها من احتجاجات وتلويح باقتحام المنطقة الخضراء التي تضم مقار الحكومة والبعثات الدبلوماسية الغربية.
ودخلت أزمة الانتخابات العراقية أسبوعها الرابع دون إعلان نهائي عن نتائج التصويت بعد تقديم القوى الخاسرة سلسلة من الطعون اضطرت مفوضية الانتخابات الى إعادة عد وفرز أكثر من ربع المحطات الانتخابية بعموم مدن البلاد.
ركود الأسواق
يشكو أصحاب المحال التجارية في العاصمة بغداد من ركود في السوق خاصة بقطاع السيارات والأثاث المنزلي والمواد الإنشائية والكمالية والملابس، حيث بدت الكثير من الأسواق في أقل صورة لها بالرغم من دخول موسم الشتاء وانطلاق موسم دراسي جديد اعتاد فيه العراقيون على التسوق وشراء ما يلزم أبناءهم ومنازلهم.
وفي حديث مع "العربي الجديد" قال هشام الحسني، أحد أبرز تجار بيع الملابس في سوق الشورجة وسط بغداد، إنّ "الخلافات السياسية التي يشهدها العراق بعد كل انتخابات حول تشكيل الحكومة تارة والاعتراض على نتائج الانتخابات تارة أخرى، دائماً ما تكون عبئاً ثقلاً على العراقيين جميعاً، إذ تبقى الأوضاع بعد كل انتخابات مضطربة ومرتبكة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً".
وأضاف الحسني أنّ "السوق العراقية في مثل هذه الأيام من كل عام تشهد حركة بيع وشراء كبيرة جداً، خصوصاً فيما يتعلق ببدء العام الدراسي الجديد ودخول موسم الشتاء، لكن للأسف الشديد الأسواق تبدو شبه خالية من المتبضعين رغم أن هذا العام سيكون التعليم حضورياً داخل المدارس والجامعات".
وأشار إلى أن "نسبة المبيعات هذا العام ضعيفة جداً بالقياس مع السنوات السابقة"، مبيناً أن نسبة المبيعات لا تتجاوز 50%، ولافتاً إلى أنّ الطبقة الكادحة من الأجراء اليوميين والعاملين في القطاع الخاص هم أكثر المتضررين من تدهور الأوضاع في العراق.
اقتصاديون: أسواق العراق أصيبت بالجمود قبيل الانتخابات زاد بعد إعلان النتائج الأولية التي دفعت بعض الجهات الحزبية إلى نزول أنصارها إلى الشارع احتجاجاً على النتائج
من جهته، قال زيد الأوسي، الذي يعمل في مكتبة تبيع القرطاسية، إنّ "أصحاب مكتبات بيع القرطاسية استبشروا خيراً بعودة التعليم الحضوري داخل المدارس والجامعات لتصريف بضائعهم المتكدسة لديهم منذ سنتين والتي تُقدر بعشرات الملايين، لكن حركة السوق لغاية اللحظة ليست بالمستوى المطلوب وكما كان متوقع لها".
أضاف الأوسي في حديثه مع "العربي الجديد" أنّ "الجميع كان يتوقع أن يساهم قرار وزارة التربية بعودة حركة السوق وإنعاش سوق القرطاسية التي تعتمد بنسبة 60% على تلاميذ المدارس الابتدائية والإعدادية لكن ذلك لم يظهر جلياً على الرغم من انطلاق العام الدراسي الجديد".
وأشار إلى أنّ "استعداد المواطنين للعام الدراسي الجديد بشكل عام ضعيف جداً، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة، منها تخوفهم حتى اللحظة من احتمال عودة الدراسة عن بعد، وكذلك تدهور الأوضاع الأمنية التي دائماً ما تتأثر بالخلافات السياسية التي يشهدها العراق عقب كلّ انتخابات".
وتابع الأوسي حديثه قائلاً إنّ "كلّ شيء في الأسواق العراقية ارتفع ثمنه بحجة ارتفاع سعر صرف الدولار الذي لامس 1500 دينار لكل دولار، يقابله ضعف في القدرة الشرائية لدى المواطنين، ومؤكداً أن أصحاب المحال التجارية هم الأكثر تضرراً بسبب تكدس البضائع لديهم، فضلاً عن تدهور الوضع الأمني في العراق، وكلها أسباب أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية في العراق وتراجع حركة البيع والشراء في المجالات الاقتصادية كافة".
تداعيات الصراع الدائر
من جانبهم، عزا اقتصاديون تراجع حركة السوق العراقية إلى الصراع الدائر حول نتائج الانتخابات التي دائماً ما تشكل عبئاً على النشاط الاقتصادي، بالإضافة إلى المصالح الحزبية المشتركة التي تدير البلد على أساس المحاصصة واستغلال المال العام لتعزيز مصالحها.
واعتبر الباحث الاقتصادي أنور البياتي أنّ "الصراعات السياسية التي يعيشها العراق أثرت سلباً في الأوضاع الاقتصادية وفي مقدمتها حركة السوق"، مبيناً أنّ "الأسواق العراقية أصيبت بالجمود قبيل الانتخابات وزاد هذا الجمود بعد إعلان النتائج الأولية التي دفعت بعض الجهات الحزبية إلى نزول أنصارها إلى الشارع احتجاجاً على النتائج المعلنة".
وأضاف لـ"العربي الجديد": "المنظومة الاقتصادية التي تدير عجلة الاقتصاد في العراق لم تعمل على استغلال الثروات بشكل صحيح، بل عمدت إلى إيقاف عجلة تنمية قطاعات حيوية وضرورية كالصحة والتربية والتعليم والزراعة والصناعة وقطاعات أخرى، لا سيما في القطاع الخاص".
وحذر البياتي من أن "يقود تأخر تشكيل الحكومة والبرلمان ومماطلة الأحزاب الرافضة لنتائج الانتخابات البلد إلى أزمة اقتصادية ربما تصل لإيقاف وعرقلة مؤسسات الدولة وليس ركود الأسواق فقط". وأشار إلى أنّ "الاقتصاد العراقي سريعاً ما يتأثر بالأوضاع الأمنية والأزمات السياسية التي يعيشها البلد، لتنعكس نتائجها سلبياً على المواطنين العاملين في القطاع الخاص خصوصاً الأسواق".
تعطيل المشاريع
بدورها، قالت الخبيرة الاقتصادية الدكتورة سلام سميسم، لـ"العربي الجديد" إنّ "العراق، نتيجة للاضطرابات الأمنية والخلافات السياسية مهدد بأزمة اقتصادية في حال استمر هذا الصراع، الذي ظهر بعد إعلان نتائج الانتخابات الأولية"، لافتة إلى أنّ "هذه الاضطرابات التي يعيشها العراق أثارت قلق الاقتصاديين من تراجع عمليات الاستيراد وتعطيل بعض المشاريع المهمة".
وأضافت أنّ "ركود السوق العراقية بعد كلّ انتخابات هو نتيجة حتمية، بسبب مخاوف المتعاملين في الأسواق من زيادة تعاملهم المالي، نتيجة لحالة الشد السياسي التي يعيشها العراق اليوم"، مشيرة إلى أنّ "المخاوف الاقتصادية لم تقتصر على أصحاب المحال التجارية فقط، إنما على المستهلك الذي يحرص على خفض الإنفاق اليوم خوفاً من المجهول في ظل الفوضى التي يشهدها العراق".
وأشارت سميسم إلى أنّ "المواطنين يخشون من دخول العراق في أزمة جديدة تتعلق بأزمة الرواتب إذا ما استمرت الخلافات السياسية حول التحالفات السياسية وتشكيل الحكومة الجديدة".