تطورت الحروب العالمية من حروب عسكرية فتاكة إلى حروب اقتصادية مؤلمة وقاسية، ومن الحروب الاقتصادية تفرعت حروب أخرى لا تقل في قساوتها عن الحروب النووية، بل، قد تكون أشد فتكاً؛ لأنها تتعلق باقتصادات دول وأمعاء مواطنين، أو بمحاولات تركيع حكومات لإرغامها على قبول قرار قاس، قد لا تقبله حتى في حال تعرضها لهزيمة عسكرية منكرة.
من أبرز أنواع الحروب الاقتصادية الحديثة: الحرب النفطية المستعرة حالياً، وحروب أسعار الصرف وإحداث قلاقل وانهيارات في عملات الدول المحلية لصالح مضاربين دوليين، وحروب الفيروسات والتكنولوجيا الحديثة، وحروب التجسس الاقتصادي، وحروب تمويل الإرهاب الأسود، وحروب عمليات غسل الأموال القذرة الناجمة عن تجارة السلاح والدعارة والمخدرات.
وهناك الحرب البيولوجية المسرّبة من المعامل، ومنها: جنون البقر، والسارس، وأنفلونزا الدجاج والخنازير، والتي تستنزف موارد الدول وميزانيات الصحة والتعليم في حال تفاقمها، كما تهز قطاعات مولدة للنقد الأجنبي على رأسها السياحة والاستثمارات الخارجية.
وهناك حروب الشائعات الاقتصادية، وهي الأخطر من وجهة نظري؛ لأنها قد تؤدي إلى انهيار اقتصادات دول بالكامل، وأخيراً الحروب التجارية التي شهدنا بعض فصولها قبل سنوات بين الولايات المتحدة والصين.
وما يحدث مع روسيا حالياً هو نموذج صارخ للحروب الاقتصادية الحديثة، التي تقودها الولايات المتحدة بالتعاون مع دول الاتحاد الأوروبي، فروسيا تتعرض لحربين اقتصاديتين في آن واحد: الأولى هي حرب تهاوي أسعار النفط، والتي خسرت فيها موسكو حتى الآن 100 مليار دولار.
والثانية هي حرب العقوبات الاقتصادية الغربية التي خسرت فيها روسيا أيضاً 40 مليار دولار، إضافة إلى خسائر أخرى أكثر ضراوة تتمثل في هروب 60 مليار دولار من أسواق المال الروسية خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2014 التي شهدت زيادة حدة العقوبات الغربية. وهذا الرقم يتجاوز إجمالي رؤوس الأموال التي خرجت من البلاد في عام 2013 كله.
كما ترتب على الحرب الاقتصادية التي لا يزال يقودها الغرب ضد روسيا، بسبب الملف الأوكراني، فقدان الروبل الروسي أكثر من 30% من قيمته، وهبوط الاحتياطيات الأجنبية 100 مليار دولار، مسجلة أدنى مستوياتها منذ عام 2009.