في أعقاب انهيار بنكي "سيليكون فالي" و"سيغنتشر"، وما تلا ذلك من تداعيات، عادت إلى الأذهان المقولة القديمة المتجددة دائماً "النقد هو الأفضل" (Cash is the king)، وهو ما ظهر في خروج مليارات الدولارات من الاستثمارات شديدة التقلب، بحثاً عن الملاذات الآمنة، التي تتسم بارتفاع درجة سيولتها.
وعلى مدار الأسابيع الأخيرة، رصدت مراكز الأبحاث، وفقاً لمحطة "سي إن إن"، تدفقات كبيرة باتجاه صناديق سوق المال، التي تكون استثماراتها عادة قصيرة الأجل، عالية السيولة، منخفضة المخاطر.
وتقوم هذه الصناديق بالاستثمار في الأوراق المالية قصيرة الأجل مثل السندات الحكومية وشهادات الإيداع، وكذلك حسابات التوفير محددة المدة والديون التجارية. ويهدف صندوق سوق المال إلى توفير خيارات مستقرة نسبياً للمستثمرين، توفر عوائد أعلى من المدخرات التقليدية.
لكن صناديق سوق المال لا تخلو من الأخطار، خاصة عندما تواجه موجة كبيرة من المستثمرين دفعة واحدة.
وأشارت أبولو غلوبال مانغمنت، شركة إدارة الأصول الأميركية، إلى أنه منذ بدأ بنك الاحتياط الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة قبل عام، زادت الأموال في صناديق سوق المال بنحو 400 مليار دولار، وبلغ إجمالي التدفقات الوافدة أكثر من 120 مليار دولار في الأسبوع الماضي فقط، وهذا يعني أنه يجري حالياً استثمار 5 تريليونات دولار في هذه الصناديق.
وجاءت معظم الأموال الجديدة الأسبوع الماضي من مستثمرين مؤسسيين وضعوا حوالي 101 مليار دولار في الصناديق. وشكلت استثمارات التجزئة (الأفراد) حوالي 20 مليار دولار، وفقاً لـ"إنفيسمنت كومباني إنستتيوت"، وهي رابطة للصناديق الخاضعة للتنظيم، تأسست في واشنطن عام 1940.
وتشير التوقعات إلى ارتفاع احتمالات حدوث زيادة كبيرة في الأموال التي تديرها تلك الصناديق، وبصفة خاصة من أموال مستثمري التجزئة، مع استمرار اضطرابات المصارف، أو تزايد احتمالات دخول الاقتصاد الأكبر في العالم في ركود.
وأكد اقتصاديو بنك غولدمان ساكس، في مذكرة يوم الخميس، أن الأميركيين قد يقومون ببيع ما تصل قيمته إلى 1.1 تريليون دولار من الأسهم هذا العام، على أن توجه هذه الأموال صناديق الائتمان وسوق المال بدلاً من صناديق الأسهم.
لكن الاستثمار بكثافة في الديون التجارية يعود بالمستثمرين مرة أخرى إلى درجات أعلى من المخاطرة، حيث يتسبب الركود عادة، إن جاء، في تخلف مصدري أوراق الدين عن سداد التزاماتهم.
وكان أحدث الأزمات التي تعرضت لها صناديق سوق المال ما صاحب ظهور وانتشار فيروس كوفيد-19 عام 2020 من ذعر، أجبر وزارة الخزانة الأميركية والبنك الفيدرالي على التدخل لمنع سحب الأموال المزعزع للاستقرار. وقالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين وقتها إن الصناديق غير المصرفية "يمكنها تحمل الضغوط الحالية في النظام المالي وتضخيمه".
واقترحت وزارة الخزانة قواعد جديد في أعقاب الاضطرابات، لكن نقاط الضعف التي كُشف عنها أثناء الأزمة لم تجر معالجتها بعد. ومن المتوقع أن تقدم لجنة الأوراق المالية والبورصة الشهر المقبل مزيداً من المقترحات للحفاظ على سلامة المستثمرين.
ولا تؤمن المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، الأموال المستثمرة في صناديق أسواق المال، وهو ما يعني أنها غير مضمونة من قبل حكومة الولايات المتحدة.