استمع إلى الملخص
- **تأسيس الشركات كوسيلة لتسهيل الأعمال**: دفع تهاوي العملة وفتح القطاعات سوريين وعرباً وأجانب لترخيص شركات تمنحهم مزايا واستثناءات، مما يسهل عليهم تحويل الأموال. هذا التوجه قد يكون بدافع حسن النيات أو لأدوار أخرى مثل تهريب المخدرات أو تبييض الأموال.
- **مثال شركة "اكساب" وتأسيس الشركات الصغيرة**: تأسيس شركة "اكساب" في حمص برأسمال 200 دولار يعكس الوضع الحالي، حيث تم ترخيص 363 شركة خلال النصف الأول من العام الجاري. هذه الشركات الصغيرة قد تكون وسيلة لرجال الأعمال لقياس البيئة والمناخ دون مخاطرة كبيرة.
سببان في سورية يحيلان تأسيس الشركات من موضع العجب إلى خانة الضحك.
الأول تهاوي سعر العملة السورية إلى 15 ألف ليرة للدولار الواحد، ما يحيل الشروط المالية لقوانين الأمس إلى مستوى الدعابة، فبضع مئات الدولارات كافية اليوم لتأسيس مصرف أو شركة تأمين أو حتى مشروع إنتاجي يتطلب اجتماع المجلس الأعلى للاستثمار وقرارات تشميل وموافقات تنفيذ. والسبب الثاني أن نظام بشار الأسد فتح جميع القطاعات للبيع والتأجير والاستثمار، بهدف تسويق أن سورية جاذبة للاستثمارات والأموال بعد انتصاره على المؤامرة الكونية.
وهذان السببان دفعا، سوريين وعرباً وحتى أجانب، لترخيص شركات، تمنحهم مزايا واستثناءات، والدخول والخروج وتحويل الأموال، بنحو أسهل وأقل كلفة، مما لو أرادوا استخراج فيزا دخول أو دفع إتاوات على المعابر الحدودية. هذا إن أبقينا الموضوع ضمن خانة حسن النيات، ولم ندخل بدور المؤسسين الجدد بسورية المقبلة وإعادة الإعمار لاحقاً الذين لطالما آمنوا منذ الحرب بمناخها وبيئتها، ولهم الأولوية بحكم المساندة والقدم، بمراحل الإعمار غداً. أو حتى، أدوار هؤلاء المؤسسين الحالية بتهريب المخدرات أو توظيف الأموال وتبييضها، أو حتى المساهمة بدعاية الأسد أن سورية بخير.
قصارى القول: رخّص السعوديّان، صالح بن سليمان بن نافع الهبدان، ومحمد بن سليمان بن حمد المحيسني، شركة "اكساب المحدودة المسؤولية" في مدينة حمص. بحسب ما كشف العدد 27 من الجريدة الرسمية السورية في 18 الشهر الجاري.
وعمل الشركة بيع بالتجزئة لمواد البناء والاتجار بها، كما يحق للشركة تملك وشراء العقارات والآليات اللازمة لتحقيق غايتها، مع شرط حق الشركة تعديل غايتها، كلياً أو جزئياً، بقرار من الهيئة العامة للاستثمار.
إلى هنا، يبدو الخبر طبيعياً، لأن رأس المال يستشعر مواطن الربح ويقرأ بعين الحرص مستقبل الأعمال، وما دامت الأنظمة العربية وحتى دول أوروبية طبعت مع نظام الأسد وأعادت سفاراتها لدمشق، إذاً من الفطنة والذكاء الاستثماري أن تتهافت الرساميل إلى بلد واعد، كما سورية الأسد. بيد أن هذه المعطيات تنتفي، إن لم نقل تحيل الأهداف لضدها، حين نعرف رأسمال الشركة، وهو بحسب الجريدة الرسمية، ثلاثة ملايين ليرة سورية، أي فقط 200 دولار لا غير.
وما شركة "اكساب" سوى مثال من ضمن 363 شركة رخصتها سورية خلال النصف الأول من العام الجاري، بعد أن فوضت، حتى مديريات وزارة التجارة بالمحافظات، بصلاحيات تأسيس الشركات محدودة المسؤولية وشركات الشخص الواحد. وتركت لهيئة الاستثمار والوزارة صلاحيات تأسيس الشركات المغفلة على اعتبار أنها قابلة للتوسع وطرح أسهمها للاكتتاب العام.
نهاية القول: ثمة سرب من الأسئلة تتوثب على شفاه أي متابع لمسرحية تأسيس الشركات بسورية، أولها ضآلة المبلغ الذي يبعد المؤسسين عن التزامات ورسوم ويقيهم من الضرائب المرتفعة، حتى لو تعاملت هيئة الاستثمار السورية بتعديلات قانون الشركات الجديد وعاملت المستثمر وفق رأس المال التأسيسي الجديد البالغ 15 مليون ليرة لشركات الأشخاص "التضامنية والتوصية" أو 50 مليوناً لمحدودة المسؤولية أو حتى 100 مليون للشركات المساهمة المغفلة أو القابضة.
والسؤال الثاني عن سر الأموال الصغيرة هو وضع موطئ قدم لرجال أعمال وشركات، يقيسون خلاله البيئة والمناخ، من دون المجازفة لطالما حلول الوضع السوري مستعصية، ومن دون المخاطرة لطالما لم تزل سورية معاقبة دولياً ومحظور على الرساميل والدول التعامل معها، أمريكياً ونظرياً على الأقل. والثالث عن مدى مساهمة واجهات كهذه لشركات، على الأرجح وهمية، باقتصاد يعاني البطالة وتراجع الإنتاج والتصدير، بل وزاد الجوعى فيه عن 90% من السكان.
ولكن، ليست هاتيك الأهداف في خلد أي رجل أعمال، يبحث عن الربح ويؤسس لفترة، قد تكون ذات جدوى وعائد وربح، وإن لم تكن، فالخسائر أقل من يبكى عليها، ما دام "صاحب الملك" فتح بلاده سركاً للمستثمرين بعد أن حولها عصفورية للمحتلين. فبضع مئات من الدولارات، لا ترقى لسعر هدية لطفل بعيد ميلاده، يؤسس من يشاء شركة بسورية الأسد، فبدل أن يشتري الخليجي أو العراقي أو حتى الأوروبي لعبة لابنه بيوم مولده، يهديه شركة على الأراضي السورية الواعدة.