بخروج دونالد ترامب من البيت الأبيض يوم 20 يناير/كانون الثاني المقبل، ربما ينتقل بسرعة من تولي رئاسة أقوى دولة في العالم إلى مجرد متهم ملاحق أمام القضاء بتهم ارتكاب جرائم مالية وأخلاقية وعمليات احتيال مصرفي وعقاري تستوجب الملاحقات القانونية والسجن.
وعلى الرغم من أن ترامب نجح خلال توليه منصبه (2017-2020) في الإفلات من تلك الملاحقات، والادعاء دوماً بأن ثروته الشخصية ورثها عن أبيه، ورفضه مرات الكشف عن حجم ثروته وتقديم الإقرارات الضريبية الخاصة به عن سنوات ماضية في واقعة تحدث للمرة الأولى منذ 45 عاما في تاريخ الانتخابات الأميركية، وتجاهله كذلك ضغوط الديمقراطيين عليه في هذا الشأن، إلا أن الباب بات مفتوحا لمقاضاة ترامب وأسرته بتهم أبرزها وأخطرها التهرب الضريبي والاحتيال المصرفي، خاصة وأن هناك نحو 50 مليون مواطن أميركي فقير في حاجة ماسة إلى تلك الأموال.
ترامب، ونقلاً عن بيانات الإقرار الضريبي الخاصة به، استخدم حيلا ومزاعم عدة للتهرب من سداد الضرائب، ولم يدفع سوى 750 دولاراً فقط من ضرائب الدخل الاتحادية في عامي 2016 و2017 بعد الإبلاغ لسنوات عن تكبد مشروعاته التجارية والعقارية خسائر فادحة كي يحقق المزيد من الإيرادات التي بلغت مئات الملايين من الدولارات، وذلك على حساب الخزانة العامة والمواطن.
بل إن صحيفة نيويورك تايمز واسعة الانتشار كشفت يوم 27 سبتمبر/أيلول 2020 أن ترامب لم يدفع ضريبة على دخله خلال 10 سنوات من آخر 15 عاماً، على الرغم من حصوله على 427.4 مليون دولار خلال العام 2018 من برنامج تلفزيوني كان يقدمه، وغيره من الصفقات.
وترامب استطاع خفض فاتورته الضريبية من خلال الإبلاغ عن تكبد إمبراطوريته التجارية خسائر فادحة. مثلا أبلغ مصلحة الضرائب الحكومية تكبده خسائر بلغت نحو 1.2 مليار دولار بين عامي 1985 و1994، وهذه السنوات مثلت ذروة تهربه الضريبي، خاصة وأن إيرادات شركاته تجاوزت مليارات الدولارات خلال تلك الفترة.
كما أبلغ ترامب عن تكبده خسائر بلغت 47.4 مليون دولار في عام 2018 على الرغم من اعترافه في إقرار مالي في ذلك العام بتحقيقه دخلاً لا يقل عن 434.9 مليون دولار.
جريمة تهرب ترامب ضريبياً ليست جديدة على المحاكم، ففي بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، فتحت سلطات الضرائب في ولاية نيويورك تحقيقا بشأن تكوين ترامب وأسرته إمبراطورية عقارية من خلال "التهرب الضريبي" بمبالغ تصل إلى مئات الملايين من الدولارات.
وفي 22 مايو/أيار 2019 أصدرت محكمة في نيويورك حكما في قضية الكشوفات الضريبية لترامب، تم بموجبه إلزام مصرف دويتشه بنك الألماني، أبرز المقرضين لإمبراطورية ترامب العقارية، ومصرف كابيتال وان الأميركي، بالاستجابة لطلب استدعاء من الكونغرس بشأن المطالبة بسجلات مالية لترامب.
الحكم جاء وقتها ردّا على طلب ترامب وأبنائه وقف نقل بيانات تتعلق بأرصدتهم المصرفية والقروض التي حصلوا عليها من البنوك إلى لجان الكونغرس. وقبل هذا الحكم بأيام، صدر حكم مماثل.
ومن الجرائم الأخرى التي تلاحق ترامب عقب خروجه من البيت الأبيض، تهمة الاحتيال العقاري الموجهة لإمبراطوريته، علما بأن هذه التهمة متداولة بالفعل أمام المحاكم، فمنذ شهر مارس/آذار 2019 تقود مدعية نيويورك ليتيتيا جيمس تحقيقاً بشأن ما إذا كانت مؤسسة ترامب قد قامت باحتيال عقاري.
وهناك جرائم متعلقة بدعاوى الهبات والهدايا، وسوء السلوك الجنسي، ودعاوى قضائية أخرى منها الاحتيال والتي أقامتها واحدة من أسرة ترامب.
وإضافة إلى هذه الجرائم، فإن إمبراطورية ترامب العقارية مطالبة بسداد 400 مليون دولار مستحقة عليها للبنوك، وقد لا تجد السيولة الكافية لسدادها في ظل حالة التعثر الذي يمر بها قطاع الأعمال الأميركي بسبب جائحة كورونا، وهو ما سيدفع مؤسسة ترامب إلى بيع بعض أصولها من فنادق وعقارات وأراض وملاعب غولف لسداد تلك الديون، خاصة وأن معظم البنوك العالمية والأميركية الكبرى ترفض التعامل مع تلك المؤسسة حفاظا على سمعتها، خاصة مع الاتهامات التي باتت تلاحق ترامب عقب فقده منصبه الرئاسي.
أيام ترامب المقبلة ستكون صعبة، خاصة وأنه لن يبرر جرائم تهربه الضريبي هذه المرة بقوله إن "مصلحة الضرائب تعاملني بشكل سيئ" كما كان يفعل خلال توليه المنصب الرئاسي، فهل يفلت من الملاحقة كما أفلت مرات عدة من خطر الإفلاس الذي كاد أن يطيح بإمبراطوريته العقارية أكثر من مرة؟