جحيم الغلاء يحاصر 3 دول عربية قبل رمضان: تهاوي القدرة الشرائية في سورية والسودان ومصر
عاصم إسماعيل
عبدالله عبده
وصلت أسعار السلع الضرورية إلى مستويات قياسية في كل من سورية والسودان ومصر قبيل شهر رمضان، وسط ضعف كبير في القدرة الشرائية لمواطني هذا الدول، ما حرم كثيراً من الأسر من التزود بالبضائع الضرورية وتلبية احتياجات الموسم حسبما اعتادوا كل عام.
يأتي ذلك، وسط تراجع الدور الحكومي بهذه الدول في مواجهة موجة الغلاء وغياب الرقابة على الأسواق، بالإضافة إلى إصدار قرارات فاقمت من الأعباء المعيشية للمواطنين ومنها تقليص الدعم وفرض ضرائب ورسوم جديدة.
ممنوعون من الشكوى في سورية
"الأسواق جحيم ونحن ممنوعون من الشكوى"، هكذا قال المتقاعد السوري خضر ماليل، من حي دمر بالعاصمة السورية دمشق، حينما سألناه عن الأسعار ووفرة السلع بحلول شهر رمضان.
وأكد أن كميات بعض السلع تراجعت لدرجة الندرة، كالزيوت والتمور والمشتقات النفطية، ما أوصل الأسعار إلى أعلى مستوى "بتاريخ سورية".
وأضاف: ارتفع مجمل الأسعار بين 30 و50% خلال شهر، ما حوّل السوريين إلى "جياع مهددين بالسجن إن شكوا حاجتهم"، في إشارة من السوري الستيني ماليل إلى مرسوم أصدره رئيس النظام السوري بشار الأسد أول من أمس، يجرّم بالسجن لستة أشهر، كل من يشكو سوء أداء الحكومة أو نشر الأسعار وحالته المعيشية، لأن ذلك ينال من هيبة الدولة، كما يرى بشار الأسد.
ويؤكد المتقاعد السوري خلال اتصال مع "العربي الجديد" أن راتبه لم يعد يكفي لسد مصاريف ثلاثة أيام، ففي حين لا يزيد دخله الشهري عن 75 ألف ليرة (الدولار = نحو 4000 ليرة)، زادت نفقات الأسرة، حسب مراكز بحثية بدمشق، عن 2.2 مليون ليرة.
وكشف ماليل أن سعر كيلو البندورة "الطماطم" وصل إلى 4 آلاف ليرة والباذنجان 3 آلاف ليرة وسط سباق متواصل لرفع الأسعار، على الحبوب والبقوليات، حسب وصفه.
ويلفت المتحدث إلى "تهرب حكومة الأسد" من حل المشكلة والاكتفاء بالتصريحات ووعيد من يرفع الأسعار.
وزاد جوع ومعاناة السوريين، بحلول شهر رمضان، بعد الانفلات بالأسعار والفوضى بالأسوق وتراجع عرض السلع، ما دفع حكومة الأسد للاستنجاد بالقطاع الخاص، قبل أيام، ليستورد القمح والزيوت من أي مصدر حول العالم، قبل أن يوافق رئيس مجلس الوزراء، حسين عرنوس، أول من أمس، على توصيات اللجنة الاقتصادية باستمرار منع استيراد "الرفاهيات".
ويرى الاقتصادي السوري حسين جميل أن "صحوة حكومة الأسد بعد فوات الأوان" لأن حصر الاستيراد بالجهات الحكومية وبعض المتنفذين، أفقد ثقة قطاع الأعمال بالدولة، كما أن ملاحقة المستوردين وسجنهم وابتزازهم، حوّل البلاد إلى جزر منفصلة برأيه، ليبقى المستهلك ضحية الطرفين، الحكومة والقطاع الخاص.
ويضيف جميل لـ"العربي الجديد" أن ما تعانيه الأسواق من ندرة وارتفاع أسعار "ليس مفاجأة"، لأن الأزمة العالمية بواقع الحرب الروسية في أوكرانيا طاولت سورية أكثر من غيرها، لأنها معاقبة ومحاصرة من جهة، ولأن روسيا هي الشريك والحليف الأول لنظام الأسد.
ويتابع: كما أن استمرار تصدير غذاء السوريين وتهاوي سعر صرف العملة بوصول الدولار إلى 4 آلاف ليرة حالياً يزيد من تراجع العرض ومن إفقار السوريين الذين لا يزيد متوسط دخلهم عن 100 ألف ليرة.
لكن نبض الشارع أوصلته السيدة زكية عبد الجواد خلال محادثة مسجلة مع "العربي الجديد"، مؤكدة في البداية ملامح أزمة خبز وتراجع التوزيع وكميات الطحين أمس الأربعاء.
سألنا السيدة السورية عن دور القطاع غير الحكومي، فأجابت أن "دور الجمعيات الخيرية وقطاع الأعمال تراجع كثيراً، وفي موسم رمضان هذا العام نحن موعودون بسلال باسم خبز وملح" من غرف التجارة، لكنها ستوزع بحسب حملة البطاقة الذكية فقط.
تدهور القدرة الشرائية للسودانيين
شهدت الأسواق السودانية ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية والفاكهة قبيل شهر رمضان مع ركود تام في الشراء وإغلاق بعض التجار متاجرهم خوفاً من الخسارة رغم وفرة المعروض، إلا أن عزوف المواطنين بسبب تدهور قدراتهم الشرائية شكّل هاجساً للتجار بسبب الغلاء الذي أرجعه البعض لرفع الدعم عن المحروقات والكهرباء ما زاد من تكلفة الأسعار والنقل.
يقول التاجر محمد أحمد بشرى لـ"العربي الجديد" إن أسعار السلع الاستهلاكية في ازدياد، ويضيف أن الغلاء فوق طاقة المواطن، مؤكداً أن زيادة فاتورة الكهرباء السبب الرئيسي في صعود الأسعار.
من جانبهم، أرجع مواطنون الزيادات الكبيرة في الأسعار إلى سياسة الحكومة التي فرضت رسوماً كبيرة على التجارة، ما جعل البعض يزيد تلك التكلفة على أسعار البضائع في ظل عدم وجود رقابة حكومية.
وقال المواطن إبراهيم بكري لـ"العربي الجديد" إن "رمضان على الأبواب والتجهيزات أصبحت صعبة جداً في ظل زيادة أسعار الوقود، والمواطنون يعانون من أجل تلبية الحاجات الأساسية للموسم الحالي".
واعتبرت المواطنة أمنة يوسف أن جشع الكثير من التجار وراء موجة الغلاء الفاحش، مطالبة بضرورة تشديد الرقابة على الأسواق.
وأطلق المجلس القومي لحماية المستهلك نداء للجهات ذات الصلة للتنسيق لوضع حلول عاجلة وآنية لضبط الاسواق وتحسين معاش الناس، كما دعت عضو مجلس السيادة في السودان سلمى عبد الجبار إلى تفعيل دور المجلس القومي لحماية المستهلك لتخفيف أعباء المعيشة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
وارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية حيث أصبح سعر جوال السكر زنة 50 كيلو بمبلغ 27 ألف جنيه، و10 كيلو الدقيق بمبلغ 7 آلاف جنيه.
وتبنت الحكومة في موازنتها لهذا العام خيارات صعبة في تمويل الموازنة العامة للدولة، ولم تكتف برفع الدعم عن السلع الأساسية، بل عادت مجدداً لإرهاق المواطن عبر مدخل الرسوم والضرائب لسد العجز وتعظيم الإيرادات.
واستندت السياسة المالية الضريبية إلى قاعدة ضريبية يشكّل الفقراء فيها 80% من السكان، كما أن الزيادات الأخيرة في أسعار الوقود والكهرباء والخبز بمعدلات تتجاوز 500% تشير إلى الطبيعة التضخمية للسياسات المالية الحكومية التي تعتمد على اقتصاد الأجور المنخفضة في مقابل إلغاء الدعم ورفع الأسعار، حسب مراقبين.
تحليق الأسعار في مصر
وتكاتفت في مصر العديد من الأسباب أدت إلى تحليق الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، ومنها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتهاوي سعر الجنيه المصري مقابل الدولار.
وقفز سعر الدولار خلال الفترة الأخيرة من نحو 15.7 جنيهاً إلى أكثر من 18جنيهاً، ما دفع التجار في مصر إلى إعادة تسعير مختلف السلع وخاصة الغذائية، إذ تعتمد مصر في تلبية معظم احتياجاتها على الاستيراد من الخارج.
وأعلن الجهاز المركزي للإحصاء (حكومي)، مؤخراً، ارتفاع معدل التضخم السنوي في مصر ليبلغ 10 في المائة لشهر فبراير/ شباط الماضي، مسجلاً النسبة الأعلى منذ منتصف عام 2019، ومرجعاً الزيادة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 20.1 في المائة، وعلى رأسها الخضروات والفاكهة والخبز والحبوب.
تكاتفت في مصر العديد من الأسباب أدت إلى تحليق الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، ومنها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتهاوي سعر الجنيه المصري
وشهدت أسعار الخضروات والسلع الغذائية والخبز غير المدعم ارتفاعات كبيرة، قبيل شهر رمضان. وقفزت على سبيل المثال أسعار الدواجن لمستويات قياسية، إذ وصل سعر الكيلو على أرض المزرعة 39 جنيهاً، وللمستهلك بأكثر من 40 جنيهاً ( 2.2 دولار)، وفقاً لأسعار كل منطقة، في الوقت الذي لجأ فيه المربون إلى التخلص من "الأمهات" تفادياً للمزيد من الخسائر بعد تخطي سعر طن العلف 11 ألف جنيه، عقب قفزة سعر الدولار مقابل الجنيه.
ويعزو الخبير في بورصة الدواجن منير السقا هذه الارتفاعات التي وصفها بالقياسية إلى ارتفاع سعر الأعلاف، بالإضافة إلى تراجع المعروض بسبب الجائحة الفيروسية التي ضربت معظم مزارع مصر، وأدت إلى نفوق من 30 إلى 40 في المائة من الإنتاج، بخلاف ارتفاع الطلب في مثل هذه الفترة من السنة مع دخول شهر رمضان.
وأشار في تصريحات لـ"العربي الجديد" إلى أن فتح باب استيراد الدواجن لن يؤثر كثيراً على وضع الأسواق في الفترة الحالية، وخاصة بعد ارتفاع سعر الدولار، ما سينعكس على أسعار الدجاج المستورد.
وكانت الهيئة العامة للسلع التموينية قد أعلنت عن طرح مناقصة عامة عالمية لتوريد دواجن كاملة مجمدة و"أفخاذ"، على أن تكون فترات الوصول من أول إبريل/ نيسان وحتى نهاية مايو/ أيار المقبلين.