لا أحد ينكر الدور الذي قام به رياض سلامة منذ توليه منصب حاكم (محافظ) مصرف لبنان المركزي قبل 26 عاماً في حماية الليرة ومنع تهاويها مقابل الدولار أو انزلاقها نحو الهاوية في الأوقات الحرجة بالنسبة للبنان واقتصاده.
ولا أحد ينكر الدور الذي لعبه سلامة في استقرار السياسة النقدية داخل البلاد، وتحويل القطاع المصرفي اللبناني إلى جاذب للاستثمارات الخارجية، خاصة أموال الخليج، في بعض السنوات.
ولا أحد ينكر استفادة لبنان من الخبرة الكبيرة التي امتلكها سلامة خلال فترة عمله في مؤسسة ميريل لينش بين 1973 و1985 والتي وصل بها إلى منصب نائب الرئيس رغم صغر سنه.
لكن ومنذ انطلاق حراك لبنان في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي والرجل يتخبط في تصريحاته وسياساته النقدية، وبدلاً من أن يلعب دوراً في إبعاد شبح الإفلاس عن القطاع المصرفي، وامتصاص قلق المتعاملين مع هذا القطاع الحساس، لعبت تصريحاته دوراً، ليس في إثارة قلق هؤلاء المدخرين فقط، بل وفي إثارة قلق القطاع بالكامل وفي القلب منه المودعون، فالرجل يطلق من وقت لآخر تصريحات غاية في الخطورة ثم ينفيها بعد أن يكتشف أنها تسببت في إثارة قلق الجميع، المصارف والأسواق والمستثمرين الخارجيين.
ثم بعد مرور أربعة أيام نفى سلامة تصريحه، قائلا، في بيان صدر يوم الأحد: "لم أذكر بأي لحظة أن المصارف يمكن أن تحول الودائع لديها التي هي بالدولارات إلى الليرة".
ويوم 28 أكتوبر الماضي نقلت "سي.إن.إن" عن سلامة قوله إن الاقتصاد اللبناني على بعد أيام من الانهيار، قبل أن ينفي في اليوم التالي التصريحات المنسوبة إليه، قائلا إن ما نقلته عنه الشبكة الإخبارية الأميركية لا يعكس ما كان يقصده عندما تحدث عن وضع الاقتصاد، رغم تأكيده أن لبنان يحتاج إلى حلول سياسية سريعة تنقذه من أزمته. وقال: "لم أقل إننا سننهار في غضون أيام. قلت إننا بحاجة إلى حل في غضون أيام لاستعادة الثقة وتجنب الانهيار في المستقبل".
القطاع المصرفي اللبناني يمر بأزمة ثقة شديدة لم يمر بها منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، كما يواجه سيلاً من الشائعات التي من أحدثها هروب رياض سلامة نفسه إلى الولايات المتحدة واستقالته من هناك، وقبلها إفلاس اثنين من البنوك الكبرى، وقد نفى سلامة كل هذه الشائعات ومنها ضخ سيولة نقدية في الأسواق.
على حاكم مصرف لبنان أن يدير أزمة فقدان الثقة تلك باحترافية وشفافية، لا أن يلقي بالاتهامات والمسؤوليات على الآخرين، لأن من مهام البنوك المركزية الأساسية الحفاظ على أموال المودعين ودعم استقرار السياسة النقدية.
وعليه أيضا أن يطمئن المودعين على أموالهم، وأن يقضي على السوق السوداء للعملة التي عادت تطل برأسها وبقوة بعد اختفاء دام سنوات طويلة، وعليه أولاً أن يصمت، فمحافظو البنوك المركزية ليسوا مسؤولين سياسيين، بل يعملون بصمت وبعيداً من الأضواء في كل دول العالم.