يسيطر الركود على أسواق المواشي في اليمن، على الرغم من حلول عيد الأضحى، في مشهد غير معتاد في مثل هذا الموسم، بالرغم من تراجع حركتها خلال الأعوام القليلة الماضية التي تشهد فيها البلاد أزمة إنسانية حادة، بفعل الحرب الدائرة في البلاد منذ نحو ثماني سنوات.
لكن هذا الركود لم يمنع أسعار الأضاحي من الارتفاع بنسبة تزيد على 20 في المائة، مقارنة بأسعارها في مثل هذه الفترة من العام الماضي، فيما يتركز الارتفاع في البدائل الأخرى التي اتبعتها بعض الأسر اليمنية التي حرصت خلال العامين الماضيين على شراء الدواجن بدلاً من اللحوم الحمراء، إذ زادت أسعار اللحوم البيضاء بنسبة تتجاوز 100 في المائة.
وأثر هذا الوضع وضعف الحركة في أسواق الأضاحي بمشاريع وأنشطة الكثير من الأسر اليمنية في تربية الثروة الحيوانية، وما يمثله هذا القطاع من مورد لتوفير مصروفات العيد ونفقاته، إضافة إلى تأمين مدخول لفترة تصل إلى نحو 3 إلى 4 أشهر، وأحياناً لفترة أطول بحسب عدد المواشي في المزارع.
تراجع المبيعات
محمد صالح يعمل في تربية المواشي في منطقة ريفية خارج صنعاء، ويقوم في مثل هذه الفترة من كل عام بتسويقها وبيعها في أسواق العاصمة اليمنية، يقول في حديث مع "العربي الجديد": "بالكاد أستطيع بيع 6 رؤوس من الماعز والأغنام من أصل 18 رأساً مخصصاً للبيع في أسواق الأضاحي لهذا العام"، بعدما كلفته الكثير لتربيتها طوال الشهور الماضية، فيما وصلت مبيعاته في آخر عامين خلال موسم الأضحى إلى أكثر من 15 رأساً.
أما درهم عبيد، وهو بائع مواشٍ في مدينة تعز، فيؤكد لـ"العربي الجديد"، أن دخل أسرته يعتمد على المواشي التي تعمل على تربيتها وتجهيز ما أمكن منها لبيعها سنوياً في مثل هذا الفترة، إذ تشهد مثل هذه الأنشطة الخاصة بتربية المواشي إقبالاً من قبل بعض اليمنيين ممن فقدوا أعمالهم وتوقفت رواتبهم ودفعتهم الظروف المعيشية المتردية إلى ترك المدن والعودة إلى قراهم ومناطقهم الريفية والعمل في الزراعة وما يتعلق بها من أنشطة وأعمال.
وسجلت أسعار الأضاحي أرقاماً قياسية هذا العام مع ارتفاع سعر الماعز المحلي إلى أكثر من 100 ألف ريال يمني (100 دولار) فيما تصل بعض الأصناف إلى نحو 150 ألف ريال. واتهم عدد من المواطنين في عدن وصنعاء تجار المواشي باستغلال موسم العيد والعمل على رفع أسعار الأضاحي بشكل جنوني، ما يفوق قدرتهم الشرائية، وخاصة في ظل غياب الدولة والرقابة الحكومية.
وتؤكد بيانات حديثة ثروة اليمن الحيوانية الكبيرة التي تضم 70 مليوناً و200 ألف رأس من الماعز وحوالى 72 رأساً من الأبقار وأقل من مليون رأس من الجمال، فيما يصل إنتاج اليمن من اللحوم إلى حوالى 187 ألف طن، ونحو 234 ألف طن من الألبان و16 ألف طن جلود وما يقارب 5 الاَف طن من الصوف.
أسباب نقص المعروض
ويشير أنور عثمان، وهو تاجر مواشٍ في عدن جنوب اليمن، لـ"العربي الجديد"، إلى تداخل مجموعة من العوامل التي سببت نقص المعروض من المواشي المنتجة محلياً. ويلفت إلى ارتفاع تكاليف تربية المواشي التي كما هو معروف تتركز في المناطق الريفية، ما ساهم في إقدام المواطنين والأسر العاملة في هذا القطاع على خفض عدد المواشي حتى لا يتحملوا أعباءً مالية تفوق طاقتهم، إضافة إلى أزمات الوقود وارتفاع تكاليف النقل وغيرها من الأسباب التي أثرت بأسواق المواشي في اليمن هذا العام.
وتعتبر الثروة الحيوانية سلة غذاء رئيسية في أغلب المناطق والمحافظات اليمنية، إذ يستوعب القطاع الزراعي النسبة الأكبر من الأيادي العاملة في اليمن، وتشكل الثروة الحيوانية نحو 25 في المائة من الدخل المحلي للعاملين في الأرياف اليمنية، وفق الأرقام الرسمية.
من جهة أخرى، إن البدائل لتغطية النقص الحاصل في المعروض، المتمثلة بالأصناف المستوردة من المواشي، لا تحظى بالإقبال المناسب من قبل اليمنيين، كما يوضح حسن الصوفي، بائع مواشٍ في مدينة إب وسط اليمن، مؤكداً في حديثه مع "العربي الجديد"، أن الطلب الأكبر يتركز في الأصناف المحلية، رغم ارتفاع أسعارها مقارنة بتلك المستوردة.
وكان اليمن يستورد نحو 20 ألف رأس من المواشي مثل الأغنام والماعز شهرياً، كما تذكر إحصائية صادرة قبل الحرب، ويرتفع حجم الاستيراد إلى 100 ألف رأس في مواسم محددة مثل عيد الأضحى، فيما تصل إلى 10 آلاف رأس من الأبقار وقد ترتفع الى 50 ألف رأس، وهذا ما يُستورَد بالنسبة إلى المواشي الحية بخلاف اللحوم المجمدة، بينما يغطي الإنتاج المحلي نحو 70 في المائة من احتياجات السوق بالنسبة إلى المواشي أو اللحوم الحمراء، و50 في المائة بالنسبة إلى الدواجن.
تردي الأوضاع المعيشية
ولعبت الأوضاع المعيشية المتردية دوراً كبيراً في تغيير اهتمامات اليمنيين وإقدام كثير منهم على إسقاط الأضحية من حساباتهم حتى خلال عيد الأضحى، والتركيز على توفير الغذاء ومتطلبات الحياة المعيشية اليومية. المواطن عبد الحكيم خالد، يقول لـ"العربي الجديد"، إن الوضع المعيشي يزداد صعوبة، والناس تبحث عن القوت الضروري، بينما الأضاحي فريضة دينية لمن استطاع. فيما يرى المواطن أحمد العقربي أن تركيز العائلات حالياً ينصب على شراء الدقيق والقمح والزيت والخبز والروتي وغاز الطهو، وذلك لتأمين متطلبات الحياة الأساسية.
وفي الوقت الذي تحصل فيه بعض الأسر اليمنية على أضحية للعيد ترسل إليهم من أقاربهم في المناطق الريفية، وتجتهد أسر أخرى في شراء أضحية، ولو بالاستدانة، كما هو حال البعض، يفكر ناجي الشيباني، كما يقول لـ"العربي الجديد"، في الموسم الدراسي الذي من المقرر أن يبدأ بعد العيد وما يمثله من هم كبير يؤرقه كغيره من اليمنيين، في ظل ارتفاع تكاليف التعليم والصعوبات والتعقيدات التي تتضاعف من عام لآخر.
ولدى الشيباني أربعة أطفال تراوح أعمارهم ما بين 8 و15 عاماً، يحتاجون إلى موازنة كبيرة لإلحاقهم بالمدارس التي أصبحت خاصة وتجارية، وذلك من دون احتساب متطلبات والتزامات معيشية أخرى تجعل من الأضاحي وبعض السلع الكمالية الخاصة بالعيد بعيدة تماماً عن تفكيره واهتماماته.
والقطاع الزراعي من أهم القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد اليمني بالنظر إلى مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي التي تبلغ حوالى 12 في المائة وفق البيانات الرسمية، إضافة إلى ما يمثله من سلة غذاء ومورد رئيسي لنسبة كبيرة من السكان. وما يتوافر من المساحات المزروعة والثروة الحيوانية يساهم في إنعاش دخل الكثير من الأسر الريفية المنتجة التي تجتهد في تحسين سبل عيشها من خلال تربية الحيوانات من الأبقار، والأغنام، والماعز، والدواجن، والنحل.