انتقلت إدارة قطاع غزة بعد نكبة سنة 1948 إلى الحكومة المصرية. وعدد سكانه وقتئذ 80 ألف نسمة، و200 ألف لاجئ من أنحاء فلسطين المحتلة، ومساحته 365 كيلومتراً مربعاً.
وكانت الحكومة المصرية تعيّن حاكماً إدارياً مصرياً للقطاع الذي كان يرتبط بمصر من خلال قطار سكة حديد يصل إلى مدينة غزة بالقاهرة لنقل الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية.
وكان القطاع مكتفياً ذاتياً من الغذاء حيث يعمل السكان في الزراعة، وصيد السمك، وصناعة زيت الزيتون والنسيج ودباغة الجلود. وفي سنة 1967 انتهت الولاية المصرية على القطاع باحتلال إسرائيل سيناء كاملة وقطاع غزة.
بعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر والانسحاب من سيناء، فتحت إسرائيل معبر رفح في 25 إبريل سنة 1982، ليصل من جديد قطاع غزة بمصر، وخضع المعبر لإدارة سلطة المطارات الإسرائيلية، وبقي مفتوحاً أمام سفر الأفراد، دون السلع والبضائع التي كانت تدخل عبر معبر كرم أبو سالم، ودون توقف على مرّ الساعة وطوال العام تقريباً ما عدا في يوم الغفران وعيد الأضحى.
في سنة 2000، أغلقت إسرائيل معبر رفح أمام المسافرين والبضائع بسبب اندلاع الانتفاضة الثانية
وبقي الوضع حتى توقيع اتفاق أوسلو في عام 1994، حيث فتح معبر رفح أمام دخول البضائع المستوردة. وكانت تدخله مئات الشاحنات المحملة بالمواد الخام المستخدمة في البناء، السلع الغذائية، الملابس، الأدوية، الأجهزة الكهربائية وغيرها.
وفي سنة 2000، أغلقت إسرائيل معبر رفح أمام المسافرين والبضائع بسبب اندلاع الانتفاضة الثانية، وظل المعبر مغلقاً في السنة الأولى خلال 70% من الوقت، وفق شهادة مبعوث الأمم المتحدة الخاص.
وانخفض عدد الشاحنات التي سمح لها بالعبور هناك من خمسة آلاف في عام 2000 إلى 400 فقط في سنة 2001. ثم شهدت السنوات التالية صعوداً تدريجياً حتى وصل عدد الشاحنات إلى 8500 شاحنة في عام 2004.
بعد انسحاب إسرائيل
بعد تنفيذ الانسحاب أحادي الجانب من غزة في سنة 2005، وعلى مدار 18 عاماً، فرضت إسرائيل تحكمها في كل صغيرة وكبيرة تدخل أو تخرج من القطاع من معبر "بيت حانون" أو إيرز في أقصى شمال القطاع مع إسرائيل، وهو مخصص لعبور العمال العاملين في إسرائيل والمرضى للعلاج في مستشفيات الأخيرة أو الأردن والدبلوماسيين الأجانب.
ومعبر "كرم أبو سالم" في أقصى حدود القطاع الجنوبية مع مصر وإسرائيل، وهو مخصص لعبور الوقود والبضائع الصادرة والواردة، ويخضع لسلطة المعابر البرية التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية.
ومعبر رفح، ويقع في جنوب قطاع غزة، وتسيطر عليه مصر والسلطة الفلسطينية، برقابة من الاتحاد الأوروبي. ومنذ انسحابها من غزة، أوقفت إسرائيل الاستيراد عبر معبر رفح تماماً، وقصرته على مرور الأفراد فقط.
وفي بداية عام 2006، فرضت إسرائيل حصاراً برياً وبحرياً وجوياً على قطاع غزة بسبب فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية.
وفي شهر يونيو/حزيران من العام نفسه، هاجم مسلحون فلسطينيون موقعاً عسكرياً إسرائيلياً في كرم أبو سالم، وخطفوا الجندي جلعاد شاليط، فأغلقت إسرائيل في اليوم نفسه معبر رفح تماماً للضغط على سكان القطاع وقيادتهم، في محاولة لاستعادة الجندي الأسير. ومن هنا يتضح أن الإغلاق لم يكن بسبب تهديدات تخصّ المعبر أو أمن مصر أو إسرائيل.
وظل المعبر مغلقاً إلا في ساعات نادرة كان الناس يتدافعون أمام بوابته للفوز بأسبقية السفر، في ظل سياسة التضييق على حركة المسافرين عبر المعبر. وفي منتصف عام 2007 حسمت حركة حماس الصراع الأمني مع حركة فتح وسيطرت منفردة على القطاع، وردت إسرائيل بإغلاق كامل للقطاع بمشاركة مصر عبر إغلاق معبر رفح.
وبفعل ذلك الحصار الخانق والمستمر، يعاني قطاع غزة أوضاعاً اقتصادية ومعيشية متردية للغاية، حتى وصلت نسبة الفقر إلى 52%، وارتفعت نسبة البطالة إلى 60%، فيما يتلقى 4 أشخاص من بين كل 5 مساعدات مالية.
غزة في عهد مبارك
وبسبب الحصار المطبق ونفاد السلع، اقتحم الآلاف من الفلسطينيين في 23 يناير/كانون الثاني 2008 الحدود المصرية ودخلوا إلى سيناء للتزود بالمواد الغذائية بأسعار مضاعفة، ثم عادوا جميعاً أدراجهم طواعية للقطاع دون أن يتخلف واحد منهم في سيناء، ما يدلّ على تمسك الغزيين بالإقامة في أرضهم ورفض الهجرة أو التهجير.
وكشف وزير الخارجية المصري في حينه، أحمد أبو الغيط، عن سياسة مصر تجاه القطاع بالقول إن "مصر لن تسمح باقتحام حدودها ثانية، وإن كل من يعبر خط الحدود سنكسر رجله. واتهم أبو الغيط حماس بمسؤوليتها عن عقاب الشعب الفلسطيني المتضرر من الحصار. وردت حماس بالقول إنه بدلاً من انتقاد المقاومة، من الأفضل تقديم العون لها لتعزيز دفاعها عن حقوق شعبها.
في ظل سياسة الحصار الكامل، أصبحت الأنفاق الحدودية الواصلة بين البيوت في مدينتي رفح المصرية والفلسطينية شريان إمداد تجاري للغزيين بالبضائع والسلاح.
وفي نهاية سنة 2009، سربت صحيفة هآرتس خبراً عن بناء جدار فولاذي في بطن الأرض على الحدود بين قطاع غزة وسيناء بعمق 18 متراً تحت الأرض، على نفقة الولايات المتحدة، بهدف القضاء على الأنفاق تماماً.
وروج الإعلام المصري لخطورة الأنفاق كمصدر لتهريب السلاح وتصدير الإرهاب إلى مصر، ما يمثل عدواناً على السيادة المصرية وتهديداً للأمن القومي، وضرورة القضاء عليها لتأمين الحدود وحماية الأمن القومي.
تحت القصف الإسرائيلي على القطاع في سنة 2010، رفض مبارك فتح معبر رفح أمام المساعدات الانسانية والجرحى
وفي يناير/كانون الثاني عام 2009، وقعت الولايات المتحدة وإسرائيل اتفاقية لوقف تهريب السلاح ونقله إلى غزة، وجاء فيها "أن يعمل الشريكان مع الدول المجاورة لمنع إمداد السلاح للمنظمات "الإرهابية"، وتأمين وظائف لأولئك الذين كانوا يعملون في تهريب السلاح ونقله لحماس".
وفي الاحتفال بعيد الشرطة في 4 فبراير/شباط 2009، ألقى الرئيس المخلوع حسني مبارك كلمة أكد فيها رفض مصر حصار غزة، وأن تهريب السلاح يتجه نحو غزة، وأن الأنفاق لا تشكل أي تهديد لأمن مصر القومي.
وقال إن تهريب البضائع هو نتيجة للحصار، وإن الاتفاق الإسرائيلي الأميركي لمراقبة تهريب السلاح لا يلزمنا في شيء، ولن نقبل بأي وجود لمراقبين أجانب على الجانب المصري من الحدود.
وفي العام التالي، سجل مبارك تراجعاً في موقفه الرافض لسياسة الحصار الإسرائيلية، وقال إن مصر لا تقبل الضغوط أو الابتزاز، ولا تسمح بالفوضى على حدودها أو بالإرهاب والتخريب على أرضها، وإن الإنشاءات والتحصينات على حدودنا الشرقية عمل من أعمال السيادة المصرية، لا نقبل أن ندخل فيه في جدل مع أحد أياً كان، من الأعداء أو الأشقاء.
وتحت القصف الإسرائيلي على القطاع في سنة 2010، رفض مبارك فتح معبر رفح أمام المساعدات الانسانية والجرحى.
ثم كشفت بي بي سي البريطانية عن نصب السلطات المصرية كاميرات مراقبة على طول حدودها مع قطاع غزة التي يبلغ طولها 14 كلم ضمن نظام أمني عالي التقنية يُنشأ بمعاونة أميركية فرنسية ألمانية، لمنع المسلحين الفلسطينيين من تهريب الأسلحة عبر الأنفاق، وإن مبارك استجاب لطلب إسرائيل فرض قيود على غزة بسبب سيطرة حركة حماس.
والواقع أن مبارك أغلق المعبر معظم أيام السنة، لكنه لم يهدم الأنفاق، وغضّ الطرف عن تهريب البضائع والأسلحة من خلالها إلى داخل غزة.
غزة بعد ثورة يناير
بعد ثورة 25 يناير 2011، وبعد أربع سنوات من الإغلاق شبه الكامل، قررت الحكومة المصرية بقيادة المجلس العسكري، فتح المعبر بشكل دائم اعتباراً من مايو/أيار من العام نفسه.
وأعلن نبيل العربي، أول وزير خارجية بعد ثورة يناير والذي خلف أحمد أبو الغيط، فتح المعبر لمدة ثماني ساعات خلال ستة أيام أسبوعياً ودون تأشيرة للسيدات، ولمن هم دون 18 سنة وفوق أربعين عاماً والأبناء القادمين برفقة والديهم والمُعفَين من شرط الحصول المسبق على تأشيرة دخول، ولكن وتيرة حركة سفر الأفراد والبضائع كانت تسير ببطء.
وبعد فوز الرئيس محمد مرسى برئاسة مصر بأقل من 24 ساعة، جرى تيسير حركة المسافرين والبضائع بسهولة غير معهودة ولأول مرة منذ فرض الحصار على قطاع غزة في سنة 2007.
وسمحت السلطات المصرية بمرور أكثر من ألف مسافر فلسطيني من قطاع غزة باتجاه مصر يومياً، وهو عدد كبير مقارنة بأعداد زهيدة وتعقيدات روتينية قبل مرسي.
وفي منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني سنة 2012، قصفت إسرائيل قطاع غزة، فاتخذ مرسي موقفاً حازماً، بدأ بسحب السفير المصري من إسرائيل، ودعا وزراء الخارجية العرب إلى عقد اجتماع عاجل، وطالبت مصر بعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي.
وقال بقوة وغضب إن مصر اليوم مختلفة عن مصر الأمس، وإن الثمن سيكون باهظاً في حال استمرار العدوان، وإن مصر لن تصمت إزاء أي اعتداء على غزة، وإننا لن نترك غزة وحدها، وأوقفوا هذه المهزلة فوراً، وإلا فغضبتنا لن تستطيعوا أبداً أن تقفوا أمامها، غضبة شعب وقيادة.
وقرر مرسي الإبقاء على معبر رفح مفتوحاً على مدار الساعة والسماح بعبور المساعدات الغذائية والطبية للقطاع، وفتح مستشفيات مدينة العريش المصرية لعلاج الجرحى الفلسطينيين بالتزامن مع القصف الإسرائيلي على القطاع ودون تنسيق مع الولايات المتحدة وبعثة الاتحاد الأوروبي.
في 2012 قرر مرسي الإبقاء على معبر رفح مفتوحاً على مدار الساعة والسماح بعبور المساعدات الغذائية والطبية للقطاع
وأمر مرسي رئيس الوزراء، هشام قنديل، بزيارة غير مسبوقة لقطاع غزة في أثناء العدوان على رأس وفد ضم عدداً من الوزراء، ما فتح المجال لأن تقوم دول عربية وإقليمية أخرى بإيفاد وزراء خارجيتها إلى القطاع في موقف غير مسبوق ولا متبوع.
غزة بعد الانقلاب العسكري
بعد ساعات من الانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي في يوليو/تموز 2013، أغلق النظام المصري معبر رفح تماماً إلا لبعض الحالات الإنسانية.
وبعد أيام قليلة من الانقلاب، سجلت منظمة هيومن رايتس ووتش بدء الجيش المصري هدم المباني المحاذية للحدود المصرية مع قطاع غزة، كجزء من خطة أعيد إحياؤها، رغم سبق تدارسها لوقت طويل، لإنشاء "منطقة عازلة" بطول الحدود مع غزة، وحتى 5-7 كيلومترات داخل سيناء.
وقالت إن الهدف من إزالة بلدة رفح المصرية تعاون مصر في فرض حصار صارم على غزة. واعتبرت المنظمة في تقرير بعنوان "ابحثوا عن وطن آخر، عمليات الإخلاء القسرية في رفح المصرية" أن المنطقة العازلة التي اشتملت على بلدة رفح بأسرها، والتي يسكنها 75 ألف نسمة وتقع على الحدود مباشرة، إضافة إلى مساحات زراعية كبيرة حول البلدة، وهدم الجيش المصري المنازل والإخلاء القسري في سيناء، كلها انتهاكات للقانون الدولي الإنساني، وقوانين الحرب، وتشكل "جرائم حرب".
واستبعدت المنظمة ادعاء تهريب السلاح من غزة إلى سيناء عبر الأنفاق، وقد أبدى مسؤولون إسرائيليون وأميركيون القلق بشأن تهريب الأسلحة من سيناء إلى غزة، وليس العكس.
واستشهدت بتصريح للسيسي في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 قال فيه: "لن نسمح لأحد بشنّ هجمات من أراضينا على الجيران أو على إسرائيل".
وبعد شهر واحد من تولي الجنرال عبد الفتاح السيسي الحكم في منتصف سنة 2014، شنّت إسرائيل هجوماً على قطاع غزة، فأوقعت مئات القتلى والجرحى. في البداية، لم يطالب السيسي بوقف العدوان على غزة كما فعل مرسي، ووصفت الخارجية المصرية الاعتداء بالعنف المتبادل، وأحكمت السلطات المصرية إغلاق المعبر، ومنعت عبور وفد من الأطباء للإغاثة.
وأعلنت إسرائيل أن رئيس المخابرات المصرية زار تل أبيب قبل يوم واحد من بدء العدوان، ولم تبرر الحكومة المصرية الزيارة ولم تنفِ عن نفسها شبهة التواطؤ.
وبعد أسبوع كامل من القصف المتواصل، تقدمت مصر بمبادرة طالبت فيها الطرفين بوقف ما سمّته الأعمال العدائية، ونزع سلاح المقاومة في مقابل رفع الحصار وتعمير القطاع.
قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المبادرة فوراً، ورفضتها فصائل المقاومة، ونفت إحاطتها رسمياً بالمبادرة وأكدت علمها بها من خلال وسائل الإعلام، واعتبرتها تركيعاً وخنوعاً ولا تساوي الحبر الذي كتبت به.
النظام المصري تقاعس عن فتح المعبر الذي يملك السيادة الكاملة عليه، حتى أعلن بايدن، أن إسرائيل وافقت على السماح بنقل المساعدات الإنسانية من مصر إلى غزة
في المقابل، قالت صحيفة هآرتس إن اتصالاً سرياً جرى بين نتنياهو والسيسي بخصوص المبادرة. ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن أحد مستشاري الجنرال السيسي قوله إن السيسي غير متحمس للتوصل إلى اتفاق من أجل وقف إطلاق النار، وإنه غير معترض على مواصلة إسرائيل عمليتها ضد حماس، وهو اتهام صريح بالتنسيق والانحياز لم ينفه النظام المصري.
وفي تغطيتها الحرب الغاشمة الحالية على غزة، قالت صحيفة نيويورك تايمز بوضوح، إن مصر تشارك إسرائيل في حصار قطاع غزة منذ 18 سنة، حيث تغلق معبر رفح.
ذلك أن النظام المصري تقاعس عن المبادرة بفتح المعبر الذي يملك السيادة الكاملة عليه، حتى أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، من داخل دولة الاحتلال أن "إسرائيل وافقت على السماح بنقل المساعدات الإنسانية من مصر إلى غزة".