تزور القاهرة منذ الأربعاء، 25 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بعثة فنية ضخمة من صندوق النقد الدولي لمراجعة ما تم إنجازه من تعهدات التزمت الحكومة المصرية بتنفيذها حسب الاتفاقية الموقعة بين الطرفين قبل عام من الآن، وكذا الاتفاق خلال الزيارة الحالية على الخطوات المقبلة في برنامج الاصلاح الاقتصادي تمهيداً للإفراج عن الشريحة الثالثة من قرض الصندوق والبالغ قيمتها ملياري دولار.
وإذا كانت المصادر الحكومية تؤكد أن زيارة البعثة للقاهرة تعد روتينية، إذ تتم كل ستة أشهر طبقاً للاتفاق مع الصندوق، وأنه سيتم الإفراج عن الشريحة الثالثة بلا مشاكل أو تأخير، فإن المؤشرات تؤكد أن الزيارة المقبلة ربما تكون هي الأصعب في تاريخ العلاقات بين الطرفين، فالبعثة التي من المقرر أن تمكث في القاهرة لمدة 8 أيام ستجد أمامها عدة ملفات يمكن أن تمثل تحدياً لدى اتخاذ أية قرارات مستقبلية بشأن الإفراج عن ما تبقى من قرض الـ12 مليار دولار، ومن بين هذه التحديات:
1: تداعيات مذبحة الواحات الإرهابية، وانعكاس ذلك على المشهدين الأمني والسياسي، وما مثله الحادث من وجود تهديد حقيقي للإرهاب لمصر ليس فقط من جهة سيناء، ولكن من جهة الصحراء الغربية أيضاً، أضفْ لهذا التطور استمرار تفاقم الوضع الأمني داخل سيناء على خلفية هجمات الإرهابيين المستمرة والتي شملت في المرة الأخيرة اقتحام فرع البنك الأهلي المصري بالعريش وسرقة 17 مليون جنيه منه.
2- تأجيل الحكومة المصرية سداد نحو 9 مليارات دولار ديوناً خارجية مستحقة على الدولة في العام المالي الحالي، موزعة ما بين 4 مليارات دولار للسعودية والإمارات بواقع ملياري دولار لكل دولة و2.75 مليار دولار عبارة عن اتفاقية مبادلة عملات مع الصين وملياري دولار لبنوك عالمية منها 1.3 مليار دولار مستحقة لحائزي سندات تم طرحها في نوفمبر 2016، كما يجري التفاوض مع دائنين آخرين لتأجيل سداد ديون أخرى منها مثلاً ليبيا التي لديها ديون مستحقة على مصر بقيمة ملياري دولار وواجبة السداد في شهر أبريل/نيسان المقبل.
3- تصاعد حالة الاحتقان الشعبي بين شريحة كبيرة من المصريين المنتمين للطبقتين الوسطى والفقيرة في ظل الارتفاعات المتواصلة في أسعار السلع والخدمات، وفشل الحكومة في احتواء أزمة التضخم التي أثرت سلباً على الأسواق ومناخ الاستثمار ومعدلات الادخار بالعملة المحلية ودفعت بعض المدخرين للتمسك بحيازة الدولار والعملات الأجنبية.
4- الانتخابات الرئاسية المقبلة وما تمثله من تحديات أمام السيسي خاصة مع عدم إنجاز العديد من الملفات ومنها إقامة مليون وحدة سكنية واستصلاح 1.5 مليون فدان وزيادة إيرادات قناة السويس لحاجز الـ 13 مليار دولار وكبح جماح الأسعار وغيرها من الملفات المتعلقة بالأحوال المعيشية للمواطن.
وقد تدفع الانتخابات المقبلة صانع القرار في البلاد لتأجيل تنفيذ التعهدات الجديدة للصندوق، خاصة المتعلقة بزيادة أسعار الوقود والكهرباء والمياه والغاز وفرض مزيد من الضرائب وتطبيق قانون الخدمة المدنية واجراء خفض جديد في عدد الموظفين بالجهاز الإداري للدولة، علما بأنه تم بالفعل خفض عدد هؤلاء بنحو 800 ألف موظف في العام المالي الماضي 2016-2017.
5- زيادة الحديث عن تعديل وزاري مرتقب في ظل انتشار شائعات قوية حول مرض شريف إسماعيل رئيس الوزراء وصعوبة استمراره في موقعه.
6- عدم إنجاز الحكومة ما تعهدت به سابقاً خاصة تعهدات خفض معدلات التضخم وجذب مزيد من الاستثمارات الخارجية وخفض معدلات الاقتراض وخفض عجز الموازنة العامة للدولة وخفض معدلات الفقر والبطالة.
إزاء كل هذه التحديات تمثل الزيارة الحالية لبعثة صندوق النقد الدولي للقاهرة منعطفاً مهماً في تاريخ العلاقة بين الطرفين والتي توجت في شهر نوفمبر الماضي بتمرير الصندوق اتفاقاً تم بموجبه منح الحكومة المصرية قرضاً بقيمة 12 مليار دولار على مدى 3 سنوات.