قال خبراء نفط غربيون لـ"العربي الجديد" إن منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) ستواجه تحديات حقيقية خلال السنوات المقبلة، بسبب زيادة الإنتاج النفطي، واحتمال ألا تلعب السعودية دور المنتج المرن في توازن السوق وتحقيق السعر الذي يستهدفه الأعضاء. وافتتحت العراق يوم الجمعة الماضي ثاني أكبر حقول النفط في العالم باحتياطي 14 مليار برميل، وإنتاج مبدئي 140 ألف برميل يومياً. كما أن إيران تواصل زيادة صادراتها منذ الانفراجة في علاقاتها مع الولايات المتحدة.
وقالت الدكتورة فاليري مارسيل، خبيرة النفط في المعهد الملكي البريطاني "تشاتهام هاوس"، لـ"العربي الجديد" اليوم التحديات التي ستواجهها أوبك تتمثل في زيادة الإنتاج العراقي الذي بلغ حالياً 3.6 مليون برميل يومياً، وربما يبلغ أربعة ملايين برميل مع نهاية العام. ومن المتوقع أن تساهم زيادة المعروض النفطي العالمي التي يقدرها خبراء في أميركا بكميات إنتاج تتراوح بين 100 و110 برميل يومياً مقارنة بالطلب العالمي الذي سيصل في أحسن حالاته إلى 91-92 مليون برميل يومياً في الضغط على أسعار النفط وتدفعه نحو الهبوط.
وأضافت مارسيل، في تصريحاتها لـ"العربي الجديد"، أن السعودية لعبت تاريخياً دور المنتج المرن المكلف ماليا في الماضي، ولكنها قد لا تلعب هذا الدور في المستقبل، حينما يطلب منها خفض حصتها في منظمة "أوبك" لصالح العراق وإيران. وأشارت في هذا الصدد إلى التصريحات غير الرسمية التي صدرت من أحد أعضاء العائلة المالكة السعودية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي شكك فيها في لعب المملكة دور المنتج المرن المكلف بضبط الأسعار في المستقبل، فيما يجني بقية أعضاء أوبك الفوائد المالية.
وقالت مارسيل "حتى الآن لم تؤثر زيادة الإنتاج النفطي من حوض الأطلسي وأميركا وكندا والبرازيل ومناطق أخرى، بشكل كبير على حصة دول مجلس التعاون من أسواق النفط العالمية". ولكنها أشارت الى أن صادرات النفط في دول مجلس التعاون ستتجه أكثر إلى الأسواق الآسيوية في المستقبل بدلاً من الأسواق الغربية مع زيادة إنتاج النفط الصخري الأميركي.
من جانبها، توقعت ميغان أوسوليفان مديرة برنامج "جيوبوليتكس الطاقة" في جامعة هارفارد الأميركية أن تؤدي الزيادة الكبيرة في المعروض مقارنة بالطلب العالمي إلى هبوط أسعار النفط، ربما بنحو 20% أو أكثر عن مستوياتها الحالية التي تتراوح بين 100 و110 دولارات لخام القياس البريطاني (برنت).
وحسب توقعات عدد من كبار خبراء النفط في العالم فإن المعروض العالمي من النفط، قد يصل إلى أكثر من 100 مليون برميل يومياً خلال السنوات المقبلة، مقابل معدل استهلاك عالمي ربما لا يتجاوز 92 مليون برميل يومياً، بسبب التباطؤ في الاقتصادات الناشئة، وعلى رأسها الصين.
ولاحظت أوسوليفان، في تقرير صدر أخيراً، أن معظم هذه الزيادة في المعروض النفطي ستأتي إلى الأسواق من خارج الدول الأعضاء في منظمة أوبك، كما لاحظت كذلك أن نسبة كبيرة من النفط ستنتج في الولايات المتحدة الأميركية بسبب ثورة النفط الصخري والثورة التقنية التي رفعت الإنتاج من آبار النفط التقليدي. وبالتالي تقول أوسوليفان إن أوبك لن تستطيع في المستقبل السيطرة على الأسعار، كما كانت تفعل في السابق. ويذكر أن منظمة أوبك، وعلى رأسها السعودية كانت تتحكم في أسعار النفط عبر آلية العرض والطلب، وبما تملكه السعودية من طاقة إنتاج فائضة كانت تستخدمها عند الضرورة.
وعادة ما تقوم منظمة "أوبك" بتحديد حصص إنتاج أعضائها وفقاً لآلية تحقق السعر الذي تستهدفه لبرميل النفط. وتلعب السعودية صاحبة أكبر طاقة إنتاجية (12.6 مليون برميل يوميا) وصاحبة أكبر طاقة فائضة ( 2.6 مليون برميل يوميا) دور المنتج المرن في وزن الطلب والعرض في السوق النفطية العالمية. فحينما تنخفض الأسعار عن السعر الذي تستهدفه أوبك لسعر برميل النفط تقوم السعودية بخفض الإنتاج لتقلل المعروض النفطي حتى تسمح للأسعار بالارتفاع إلى المستوى المستهدف. وحينما ترتفع الأسعار إلى مستويات قد تضر بالطلب في المستقبل، تقوم السعودية بضخ المزيد من الإنتاج في الأسواق. عبر هذه الآلية كانت السعودية وشقيقاتها في أوبك تسيطر على أسعار النفط. ولكن الدكتورة مارسيل تعتقد أن السعودية ربما لا تقوم بلعب هذا الدور في المستقبل، خاصة، حينما تطالب العراق بحصة كبيرة ويرتفع إنتاج النفط الإيراني. ويلاحظ أن العراق وإيران لا تربط بينهما وبين السعودية علاقات سياسية جيدة، بل هنالك عداء.
إلى ذلك، تشير أوسوليفان إلى أن "الزيادة في المعروض النفطي مستقبلاً ستأتي كذلك من مصادر خارج أوبك، ولا تستطيع منظمة أوبك السيطرة عليها، مثلما كانت تفعل في السابق، خاصة الإنتاج النفطي الفائض الذي سيدخل سوق الإمداد النفطي من الولايات المتحدة الأميركية". وبالتالي لن تتمكن منظمة أوبك في المستقبل من السيطرة على معادلة العرض والطلب، كما كانت تحدد سعر النفط في السابق.
من جانبه، يقول الخبير ليونارد موغيري الزميل بمعهد "بلفور انستتيوت" التابع لجامعة هارفارد الأميركية، إن العالم مقبل على وفرة من النفط وسط الاستثمارات الضخمة في اكتشاف واستخراج النفط التي يقدرها مصرف "باركليز كابيتال" البريطاني بحوالى 500 مليار دولار في العام الماضي.
ويشير موغيري الذي يعمل كذلك في منصب كبير المدراء في شركة "إيني الإيطالية" النفطية ومؤلف كتاب "النفط: الثورة المقبلة"، إلى أن العالم سيشهد زيادة كبيرة في المعروض النفطي خلال السنوات المقبلة، وربما ترتفع طاقة الإنتاج العالمية إلى أكثر من مائة مليون برميل يومياً مقارنة مع طلب عالمي لن يرتفع كثيراً وسط انخفاض معدلات النمو في الاقتصادات الناشئة وعلى رأسها الصين. ويشير موغيري في هذا الصدد إلى عدة عوامل ستؤدي إلى زيادة الطاقة الإنتاجية أهمها. أولاً: الارتفاع الكبير في إنتاج الولايات المتحدة من النفط التقليدي وغير التقليدي مثل النفط الصخري وسوائل الغاز والوقود العضوي. ويقدر موغيري أن يرتفع إنتاج الولايات المتحدة من النفط بأنواعه المختلفة بمقدار خمسة ملايين برميل يومياً إلى 16 مليون برميل يومياً، بحلول العام 2017. والعامل الثاني: ارتفاع إنتاج النفط العراقي إلى أكثر من 2.3 مليون برميل يومياً إلى حوالى 3.5 مليون برميل يومياً خلال السنوات المقبلة. والعامل الثالث: احتمال عودة الاستقرار إلى ليبيا التي تنتج حالياً حوالى 150 ألف برميل يومياً فقط، بسبب سيطرة العصابات المسلحة والمليشيات على آبار ومنشآت النفط وتمنع الشركات والحكومة المركزية في ليبيا من تسيير الصناعة النفطية.
ومن المحتمل أن يرتفع إنتاج النفط الليبي إلى 1.63 مليون برميل يومياً مع عودة الاستقرار إلى ليبيا، وهو المستوى الذي كانت تنتجه ليبيا قبل الثورة الليبية. أما العامل الرابع والأخير، فهو الانفراجة الأخيرة في العلاقات الأميركية ـ الإيرانية واحتمال نجاح مفاوضات " 5+1" الجارية في فيينا بخصوص البرنامج النووي. وإذا نجحت هذه المفاوضات، ولو جزئياً، فإن الحظر الأميركي والأوروبي على النفط الإيراني سيرتفع، وربما تتمكن إيران من تصدير حوالى 3.5 مليون برميل يومياً من النفط.