لا يمكن فهم السبب الذي جعل قناة "الجديد" اللبنانية، تعيد نشر حلقة قديمة من برنامج "بلا تشفير" تقديم تمام بليق، والتي كانت الممثلة السورية أنطوانيب نجيب ضيفةً فيها.
تضمنت الحلقة مجموعة من التصريحات المهينة بحق اللاجئين السوريين في لبنان. هل ترغب "الجديد" بإعادة ملف اللاجئين السوريين في لبنان، وما نجم عنه من توتر بين الشعبين إلى الواجهة مجدداً؟ خصوصاً بعد أن هدأت شحنة التوتر بسبب الانشغال الإعلامي بالأزمات الاقتصادية التي يعاني منها كلا البلدين.
يعود تاريخ البث الأول لهذه المقابلة إلى شهر مايو/أيار من عام 2017، إلا أنها لم تحقق بذلك التاريخ أي صدى يُذكر، لتمر مروراً عابراً في زحمة البرامج والتصريحات العنصرية، التي كانت دارجة حينها. هذا الأمر جعل عددا كبيرا من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، يظنون أن الحلقة جديدة بالفعل، عندما أعادت الجديد بثها، ليؤدي ذلك إلى قيام الناشطين باقتطاع مقاطع منها، وتداولها على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبغض النظر عن عامل الزمن، والوقت الذي تم فيه تصوير المقابلة وبثها للمرة الأولى؛ فإن الانتقادات التي طاولت أنطوانيت نجيب تبدو مبررة، إذ تحدثت خلال المقابلة عن السوريين المقيمين في لبنان بشكل خاص، واتهمتهم بسرقة رزق المواطن اللبناني، لتبرر من خلال هذا المنطق كل العنف والإساءات التي يتعرض لها أبناء بلدها في لبنان، من قبل بعض المتطرفين العنصريين. مع الإشارة إلى أن هذه الأفكار ذكرتها ضمن سياق يخدم بروباغندا النظام السوري، حيث اعتبرت أن خروج السوريين من البلاد خلال الحرب يعتبر أمراً معيباً، وأن كل السوريين الذين أصبحوا في الخارج هم "متسولون وليس لديهم كرامة"، وكان عليهم أن يصمدوا، كما صمدت هي، في بيوتهم. وكأنها لا تدرك أن معظم اللاجئين تدمرت مدنهم بسبب القصف الممنهج الذي مارسه النظام على المناطق الثائرة ضده.
إلا أن الأمر الذي يتم إغفاله عند إعادة نشر مقاطع من المقابلة، أن كلام نجيب يبدو غير متوازن على الإطلاق، إذ عبرت عن أسفها لامتلاكها جواز سفر عربيا، وأضافت بأنها لاتفتخر بأنها عربية. وفي ذات الوقت، خوّنت كل من خرج من سورية، واتهمتهم بالعمالة، مشيرةً إلى أن من يتمرد على النظام السوري هو خائن يقدم الطاعة العمياء لجهات خارجية تريد تخريب البلاد.
وعلى الرغم من كون أنطوانيت نجيب كانت قد انتقدت الفنانين السوريين المعارضين أيضاً، بعد أن وجهها لهذه المساحة تمام بليق، إلا أن انتقاداتها لهم لم تكن بذات الحدة؛ فهي اعتبرتهم جاحدين وغير أوفياء، ولكنها عادت لتصفهم بأنهم كلهم أبناؤها، بحكم عمرها المتقدم (91 عاماً)، وأن عدداً كبيراً منهم كان قد أدى دور ابنها في أحد المسلسلات القديمة، لتضفي على كلامها لمسة رومانسية، وتتمنى لكل الفنانين أن يعودوا إلى سورية التي صنعت نجوميتهم. هذه اللمسة الرومانسية هي التي تختفي تماماً عند الحديث عن باقي فئات اللاجئين، ليبدو بذلك أن أنطوانيت نجيب تتعامل مع السوريين بمنظور طبقي، وتتبرأ من الطبقات الأدنى ثقافياً، وربما اقتصادياً.
بذلك، تكون هذه التصريحات متناغمة مع معظم الأفكار السائدة في الأوساط اللبنانية العنصرية المعادية للسوريين، التي تصدرت الشاشات اللبنانية لمدة طويلة. ويبدو أن استعادة هذه اللغة على لسان شخصية سورية، قد تلعب دوراً بإعادة تعزيز هذا الخطاب، باعبار أنه "وشهد شاهدٌ من أهله".