الدراما المصرية في رمضان: معايير وضوابط عسكرية
عبد الكريم سليم
بعد عامين من تطبيق ضوابط الدراما والإعلانات على شاشات الفضائيات المصرية، دخل البرلمان أخيراً على الخط، منتقداً التطبيق "الشكلي" الذي لا يمتد للمضمون.
في هذا السياق، أشار النائب السيد شمس الدين إلى أن الضوابط التي وضعها "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، لإلزام صناع الدراما بالكود الإعلامي الصادر منذ عامين، هي للاستعراض؛ إذ لا يلتزم بها صناع الدراما الرمضانية. وقال في بيان عاجل قدمه للمجلس، ووجهه إلى رئيس الوزراء قبل يومين، إن من أبرز ما لا يجري الالتزام به ما يتعلق بتجنب مشاهد التدخين وتعاطي المخدرات.
من جهته، جدد "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، قبل أيام، تحذيراته لمقدمي المحتوى الدرامي والإعلاني وإدارات الفضائيات المصرية من تخطي المحظورات التي أعلنها قبل عامين، وأضاف إليها مزيداً من المعايير، لضبط ما يجري تقديمه على الشاشات للمشاهدين في المنازل.
وأعرب فنانون ونقاد عن القلق من "مطاطية" و"موسمية" المعايير، مؤكدين أن المجلس خلط في منظومة الضوابط المعلنة بين ما هو أخلاقي وما هو سياسي مختلف عليه.
وعلّق رئيس "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، كرم جبر، بالقول خلال مداخلة هاتفية لإحدى الفضائيات، إن المعايير باختصار تستهدف وقف كل ما يعارض قيم الأسرة المصرية التي تشاهد الدراما الرمضانية. وأكد جبر أنه جرى إبلاغ القنوات والإذاعات بكل الأكواد الإعلامية، من خلال النشر في الجريدة الرسمية، مشيراً إلى امتلاك المجلس الصلاحية للتصدي ووقف أي تجاوز يحدث. وتابع: "سنتصدى للتسول في الإعلانات، ولن نهين الرجل أو الطفل المريض".
وكان أكثر ما أثار الجدل البند الخاص بضرورة فسح المجال لمعالجة الموضوعات المرتبطة بـ"الدور المجيد والشجاع الذي يقوم به أفراد المؤسسة العسكرية ورجال الشرطة في الدفاع عن الوطن"، إذ رأى متابعون أن السلطة تستهدف بمثل تلك التوجيهات "توظيف دور هذه المؤسسات في دعم سياسات مختلف عليها، ليس الأدوار العامة المعروفة والمطلوبة لهذه المؤسسات".
من جهته، انتقد الفنان هشام عبد الحميد "موسمية" الحديث في مثل هذه الضوابط، وخاصة تزامنها كل عام مع اقتراب شهر رمضان، في ما يشبه اجتناب الصائم للموبقات خلال رمضان، واقترافه لها بعده. وطالب عبد الحميد، في حديث إلى "العربي الجديد"، بضرورة إصدار ميثاق إعلامي شامل، بدلاً من تلك الضوابط، إذ يضم الميثاق كل ما يجري عرضه على الشاشات في كل وقت، ليعيد للدراما هيبتها، وللإعلام مصداقيته. وحذر من التعامل مع الضوابط بالقطعة، حتى لا تتحول إلى شكل بروتوكولي يفقد تأثيره بالتكرار من دون معنى، مشيراً إلى أنّ من المهم أن يصطبغ ما يُقدم على الشاشة بصبغة توعوية اجتماعية، لأن الدراما التلفزيونية تختلف عما يُقدم على المسرح أو في السينما من حيث جمهوره، فالدراما تذهب للمتلقين في منازلهم، بينما المتلقون هم من يذهبون للسينما والمسرح باختيارهم، متقبلين لنوعية ما يُقدَّم.
من جهة أخرى، تحدث مؤلف شهير لعدد من المسلسلات المعروفة، لـ"العربي الجديد"، رافضاً الكشف عن اسمه، مشيراً إلى أنه "اختنق من ضوابط غير معلنة"، قال إنها "الأخطر"، ولا تخص الأخلاق، بل تتعداها للسياسة، ويتلقاها المؤلف والمنتج، ويحرص المخرج على تنفيذها بحذافيرها، وإلا فستكون في انتظاره عقوبات أخطر من تلك التي ينفذها "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" بحق العمل وصنّاعه، تصل إلى حد منعه من العمل مستقبلاً حال تجاوزها.
ومن ضمن هذه الضوابط المشددة وغير المعلنة، مثلاً، أن يحرص صنّاع العمل على ظهور رجل الأمن بمظهر مثالي، مهما كانت نوعية العمل والرسالة من ورائه، فلا يظهر ضابط فاسد أو مرتشٍ. وعدّد المتحدث نوعيات أخرى من الضوابط، كلها تصبّ في خانة تمجيد فئة معينة، وشيطنة أخرى لا ترضى عنها السلطة، إلى جانب الحرص على إبراز المناطق والشخصيات المترفة في المجتمع، وكأنه مجتمع قد خلا من الفقراء والعشوائيات، لذلك تكثر مسلسلات "الكومباوندات" التي تناقش مشكلات اجتماعية خاصة بسكانها، ولا تهمّ معظم المصريين.
وانتقد مغردون تلك الضوابط باعتبارها "مدرسية إرشادية، خارج الزمن، ولم يعد لها وجود في العالم".
في المقابل، ثمّن آخرون هذه الضوابط، باعتبارها كبحاً لجماح صنّاع الدراما الذين تصارعوا في السنوات الأخيرة لاجتذاب الإعلانات لأعمالهم بأي ثمن، ولو على حساب الأخلاق.
بدوره، أثنى مساعد وزير التضامن الاجتماعي، مدير صندوق ومكافحة علاج الإدمان، عمرو عثمان، على البنود المتعلقة بالحد من التدخين والمخدرات بالدراما، معتبراً إياها تتويجاً لرحلة كفاح مع زملائه في المرصد الإعلامي بالصندوق، خلال عقد كامل شهد عشرات اللقاءات مع صناع الدراما، وإصدار سلسلة من الدراسات والتقارير العلمية للمرصد. وأكد عثمان أن ما يهم الآن مراقبة التنفيذ، مضيفاً في صفحته على "فيسبوك": "سنعمل على مراقبة التنفيذ بكل جدية".