خالد يوسف حين يخطئ أو يصيب
تستضيف إحدى القنوات خالد يوسف فيصيب ويُخطئ. يدافع عن أخطاء ظهرت في مسلسل "سره الباتع" الذي يعرض حالياً في رمضان ومنها ظهور نابليون بونابرت طويل القامة، ويرى أن ذلك يتعلق برؤية المخرج، ويستشهد بمرجعيته الكبرى، يوسف شاهين، في فيلمه "الناصر صلاح الدين" (1963) حيث منح دور صلاح الدين لأحمد مظهر، وطوله كما قال متر وخمسة وستون سنتمتراً، وبفيلم "نيكسون" (1995، من إخراج أوليفر ستون) حيث ظهر جاك نيكلسون من دون أي تغيير في مظهره. وفي الحقيقة فإن خالد يوسف لم يصب لا في هذه ولا في تلك، فأحمد مظهر أكثر طولاً، وبطل "نيكسون" ليس جاك نيكلسون بل أنتوني هوبكنز.
يخطئ خالد يوسف حين يرتجل، فيُكتب عنه بقسوة، وربما يتم تصيّد أخطائه، لكن من حقه أن يُشاد به حين يصيب، وفي ظني فإن ضربة المعلّم التي حققها، تتمثل بإعادته أهم كتّاب القصة العرب، يوسف إدريس، إلى الدراما التلفزيونية، وهذه المرة الأولى التي تُقتبس إحدى قصصه تلفزيونياً منذ اثنين وعشرين عاماً، بل ويُبنى معمار درامي كامل استناداً إلى قصته "سره الباتع"، فتُضاف شخصيات، وتُطور أحداث ثانوية وتصبح رئيسية في المعالجة الدرامية لم تكن موجود أصلاً في القصة أو كانت محض ثانوية.
يروي عاطف بشاي، وصدر له كتاب عن علاقة إدريس بالسينما، أنه كتب سيناريو مسلسل عن رواية إدريس "الحرام"، وكانت قد تحولت فيلماً من إخراج هنري بركات وبطولة فاتن حمامة، لكن الرقابة رفضته فلم يُنتج، وباستثناء تجربة بشاي المجهضة فقد أُنتجت أربعة مسلسلات على الأقل مأخوذة عن أعمال إدريس، وهي أقل أهمية وعدداً من الأفلام (9 أفلام)، وأهمها "الحرام" و"العيب" و"النداهة". ولم تقتصر علاقته بالسينما على هذا بل إن له تجربة سيئة في كتابة السيناريو، فقد احتج على سيناريو فيلم "حادثة شرف" الذي كتبه مصطفى محرم فأعاد كتابته، ودخل معه في منازعات لم تخل من ضغينة، وانتهى الفيلم إلى فشل تجاري، على خلاف "الحرام" الذي يعتبر واحداً من أهم مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية.
أُخذ مسلسل سره الباتع عن قصة بالعنوان نفسه لإدريس من مجموعته "حادثة شرف" التي صدرت عام 1958، وهي من مجموعاته المبكرة، بل ربما كانت سبب أسطورته وشهرته لاحقاً، وفيها تبلور أسلوبه القائم على التشريح النفسي للشخوص، والاقتصاد في اللغة رغم الاستطرادات وفي موازاتها، وبناء نص متعدد المستويات، حيث تثوي الرموز في قاع النص وتتطور معه بالتوازي مع الحدث الذي قد يتحول إلى فانتازيا صادمة. وكانت ذروة ذلك في المجموعة القصصية التي تحمل اسمها، حيث يفكك إدريس بعبقرية نادرة مفهوم الشرف ويغدو دلالياً معاكساً لمعناه الأول والأصلي. والقصة فاتنة فعلاً، وفيها لعب فني وعلى صعيد المفاهيم، لا نجده بهذا العمق والتجلي إلا عند مجايله نجيب محفوظ، وحظ الأخير في السينما والدراما التلفزيونية كان أوفر وأكثر غني.
لا يمكننا هنا إجراء مقاربة منصفة لمسلسل "سره الباتع" (بطولة أحمد فهمي، وأحمد صلاح السعدني، وريم مصطفى، وحسين فهمي، وأحمد عبد العزيز، وحنان مطاوع)، فما زالت حلقاته تُبث. وإذا تجاوزنا عن بعض الأخطاء فبالإمكان القول إننا أمام عمل ضخم، فيه لمسات إخراجية لافتة، وإن خالد يوسف قام بما هو أهم، وهو المعالجة الدرامية لقصة لا تتجاوز الخمسين صفحة، وعملياً لنحو اثنتي عشرة صفحة هي الرسائل التي تبادلها عالم الآثار روجيه كليمان مع أحد أصدقائه، وتروي قصة السلطان حامد. وهو فلاح يعيش في إحدى قرى الدلتا، وكيف تحوّل إلى أسطورة في مقاومة الاحتلال الفرنسي. ليس أسطورة فقط بل ولي تُزار أضرحته في عشرات القرى، وكيف تمثلت فيه الشخصية المصرية بل روحها عبر القرون.