واجب وذكريات
لم تغب مشاهد القتل والدمار وأصوات الانفجارات وصراخ الأطفال للحظة عن مخيلة الصحافي الفلسطيني تامر المسحال، مراسل قناة "الجزيرة" الفضائية. يقول المسحال الذي غطى حروب الاحتلال الثلاث على غزة لـ"العربي الجديد"، إنّ الصحافيين "عاشوا أياماً كانت الأصعب والأكثر قساوة"، مشيراً إلى "أنهم لم يكونوا يتوقعون أن يحيوا مثلها، كمواطنين قبل أن نكون صحافيين".
ويضيف: "كان الحمل ثقيلاً على الصحافيين الفلسطينيين، وكانت مهمة أن ننقل كل ما يحدث صعبة للغاية، وفق المسحال، الذي يؤكد أن الصحافيين "نجحوا في أن يكونوا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم".
ويشير تامر إلى أنّ التحديات كانت كثيرة خلال أيام العدوان الاسرائيلي، لكن أبرزها كان الاستهداف المباشر للكادر الصحافي الفلسطيني، فقد "شعرنا أننا جميعاً داخل دائرة الاستهداف، ولم يكن لدى قوات الاحتلال أي محرمات أو خطوط حمر، ما ضاعف مشقة عملنا".
ويستذكر تامر المواقف المؤلمة التي حصلت في الحرب معه، وهي كثيرة، لكن أكثرها ألماً كان عندما نقل خبر استشهاد زميله الصحافي خالد حمد، الذي ارتقى في حي الشجاعية، وكذلك
ويؤكد المسحال أنّ "الحرب تركت فينا ألماً كبيراً ومآسي كمواطنين فلسطينيين قبل أن نكون صحافيين، فهناك عدد من الصحافيين الذين نقلوا مأساتهم الشخصية خلال عملهم في الحرب، ومع ذلك تواصل العمل، وأدى كل صحافي مهمته بالشكل المطلوب".
من جهتها، تقول مراسلة تلفزيون "فلسطين"، صفاء الهبيل، إنّ المشاهد الصعبة والمؤلمة والتي كست شوارع القطاع من شماله حتى جنوبه، تركت أثراً نفسياً سيئاً لدى الصحافيين الفلسطينيين، لكنها لم تثنهم عن العمل، وجعلتهم أكثر إصراراً على نقل تفاصيل ما يجري. وتضيف لـ"العربي الجديد": "كانت الحرب الأولى التي أقوم بتغطيتها، وكانت الأقسى والأصعب، خاصةً وأنّ الخطر كان يحدق بنا من كل الاتجاهات. لا شك أنها كانت مهمة صعبة وقد تزامنت مع شهر رمضان، لكننا عملنا جميعاً من أجل ترجمة الأحداث الجارية، ونقلها إلى العالم".
اقرأ أيضاً: عام على العدوان في غزة... عام على استمرار المعاناة
وتشير صفاء إلى أنّ مشاهد الدماء والأشلاء والشهداء والجرحى أفقدتها الإحساس والخوف، وأصبح همّها الوحيد فقط هو كيفية ايصال مدى بشاعة المشاهد للجميع، لدرجة أنها عملت في بعض الأيام لمدة 24 ساعة متواصلة، في ظل ظروف مرهقة.
وعن أكثر المواقف تأثيراً خلال عملها في الحرب، تقول: "هناك عشرات المواقف، لكنني لا أنسى الملامح المتعبة لامرأة تم انتشالها من تحت الركام بعد معاناة استمرت أسبوعاً، أو بكاء ذلك الطفل الذي عاد لتوه بعد أن شارك ذووه في دفن شقيقه".
أما مراسل إذاعة "صوت القدس" المحلية، عبد الله مقداد، فيقول لـ"العربي الجديد"، "إنّ ذكرى الحرب مؤلمة وصعبة للغاية "خاصةً عندما نتذكر اللحظات العصيبة التي مرت بنا في تلك الأيام الثقيلة، فقد كان القلق سيد الموقف الى جانب التوتر والتشتت، كانت مشاعرنا مختلطة، ومرتبكة".
ويشير عبد الله إلى أنه كان يغطي الأحداث المأساوية والمجازر البشعة التي كانت تُرتَكب على مدار الساعة، في ظل حالة إرباك كبيرة كانت تعيشها الساحة، نتيجة القصف الاسرائيلي المتواصل من كافة الاتجاهات، والذي لم يهدأ للحظة واحدة طيلة فترة العدوان.
الأحداث بدت مزدحمة في مخيلة الصحافي مقداد، الذي يقول: "أكثر اللحظات رعباً في الحرب كانت عندما قصفت الطائرات الحربية الاسرائيلية منزل عائلة ملاصقاً لمنزلنا على رؤوس
اقرأ أيضاً: عام على عدوان غزة: حسم مفقود أمام مفاجآت المقاومة
حياتهم ثمناً
أسفر العدوان الاسرائيلي على غزة عن استشهاد 17 صحافياً، بينهم صحافي إيطالي وإصابة نحو 20 صحافياً بجروح متفاوتة. والاحتلال لم يكتفِ باستهداف الصحافيين في ميدان العمل، بل تعدى ذلك عبر قصف طائراته الحربية لمنازل عدد منهم، وتدمير نحو 42 منزلاً بشكل كامل، إضافة الى 60 منزلاً بشكل جزئي، علاوة على قصف نحو 23 مؤسسة إعلامية، وتدميرها بشكل كامل وجزئي.
وكان أول الصحافيين الشهداء، المصور رامي ريان، مصور الشبكة الفلسطينية للصحافة
والإعلام في سوق الشجاعية، تلاه بهاء الدين الغريب، رئيس تحرير الأخبار العبرية في تلفزيون فلسطين، جراء القصف الذي استهدفه أمام منزله مع ابنته في مدينة رفح.
كما استشهد حامد شهاب، الموظف في شركة "ميديا 24"، بعد قصف سيارته بشكل مباشر في منطقة الرمال، وحمادة مقاط، إثر قصفه من طائرة استطلاع بالقرب من منزله في جباليا البلد. واستشهد خالد حمد، مصور فضائية الأقصى في مجزرة الشجاعية.
بينما استشهد سامح العريان أثناء تغطيته الإعلامية لمجزرة الشجاعية، إثر استهدافه بصاروخ من طائرة استطلاع، وشادي عياد إثر استهداف المدفعية الإسرائيلية منزله في حي الزيتون، والصحافي الرياضي عاهد زقوت، بعد قصف شقته بصاروخ طائرة استطلاع.
كذلك استشهد محرر قناة الكتاب، عبدالرحمن أبوهين، في قصف استهدف منزله، وعبدالله فحجان في مجزرة رفح، والصحافي عبدالله مرتجى، أثناء التغطية في حي الشجاعية، إضافة إلى الصحافي عزت ضهير الذي استشهد بعد قصف منزله.
واستشهد المصور محمد الديري خلال تغطية مجزرة الشجاعية، بينما استشهد محرر صحيفة الرسالة محمد ضاهر بعد قصف منزله. واستشهدت الناشطة الإعلامية نجلاء الحاج بعد قصف منزلها، إضافةً إلى مصور وكالة "أسوشيتد برس" الإيطالي، سيمونه كاميللي، لحظة توثيق التخلص من الألغام، مع الفلسطيني علي أبوعفش.
المصور الصحافي الفلسطيني الجريح حامد الشوبكي، أصيب إصابةً بالغة أدت الى قطع أوتار قدميه وكسور وشظايا في أنحاء جسده، وذلك بعد توجهه مع زملائه المصورين يوم الأربعاء 30 يوليو/تموز 2014 لتصوير استهداف الطائرات الحربية الاسرائيلية لمنزل عائلة فلسطينية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، فتم قصف المكان رغم سريان الهدنة. ويقول الشوبكي لـ"العربي الجديد": "رحلتي مع العلاج طويلة، بدأت عندما تم نقلي الى مستشفى الشفاء ومن ثم تحويلي الى المستشفى الأوروبي في مدينة خانيونس لأعود الآن الى مستشفى فلسطين في مصر لاستكمال العلاج".
اقرأ أيضاً: أطفال غزة...كوابيس وخوف واضطراب بعد عدوان إسرائيل
محاسبة الإحتلال
من جهتها، لم تغفل نقابة الصحافيين الفلسطينيين عن الملاحقة القانونية للاحتلال الاسرائيلي الذي استهدف بيوت الصحافيين ودمر نحو 23 مؤسسة إعلامية، وقتل 17 صحافياً، وفق ما يؤكد نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين تحسين الأسطل.
ويضيف الأسطل لـ"العربي الجديد" أنه منذ اللحظة الأولى لبدء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة بدأت النقابة بالتعامل مع الواقع عبر مرحلتين، الأولى تمثلت في الوقوف الى جانب
ويلفت إلى أنّ هناك إجراءات اتخذت في اتحاد الصحافيين الأوروبي لإدانة الاحتلال على ممارساته بحق الصحافيين الفلسطينيين، كذلك يسعى الاتحاد الدولي للصحافيين معنا للوصول للحظة رفع القضية أمام محكمة الجنايات الدولية.
ويوضح الأسطل أنّ الصحافي الفلسطيني كان على قدر المسؤولية، واستطاع أن ينقل الصورة إلى العالم رغم المخاطر المحيطة به، مطالباً العالم بالوقوف إلى جانب الصحافي الفلسطيني، والضغط على الاحتلال من أجل وقف جرائمه المتواصلة.
اقرأ أيضاً: السلطة وعدوان غزة: فرصة مفوّتة لترجمة صمود الميدان سياسياً