بعد مرور نحو 3 أسابيع على إعلان البنك المركزي الإيراني العمل على تأسيس آلية الدعم الأوروبي لطهران في مواجهة العقوبات الأميركية "إنستكس"، لم تتضح بعد طريقة عملها، أو موعد انطلاقها، إضافة إلى غموض نوعية المعاملات التجارية التي يمكن أن تغطيها.
وأعلنت السفارة الفرنسية في طهران، من خلال حسابها الرسمي على "تويتر"، أول من أمس، وصول مدير "آلية دعم المبادرات التجارية"، "إنستكس" الألماني بير فيشر. وهي قناة كشفت عنها الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، لمواصلة العمل التجاري مع إيران في مواجهة العقوبات الأميركية.
وبحسب وكالات أنباء إيرانية، فإن فيشر يبحث مع المسؤولين الإيرانيين حول نظام عمل القناة المالية، بحضور ممثلين بريطانيين وفرنسيين.
وذكرت وكالة "تسنيم" الإيرانية أن اجتماعات الوفد الأوروبي مع المسؤولين الإيرانيين من الخارجية وبقية الوزارات والأجهزة المعنية، تناقش آليات عمل "إنستكس" وشريكتها الإيرانية، وكذلك طرق استفادة رجال الأعمال والنشطاء الاقتصاديين من خدمات الآلية، إضافة إلى بحث الخطوات اللاحقة لتطوير نطاق عملها التجاري.
وتأتي زيارة فيشر والوفد الأوروبي المرافق له إلى طهران بعد نقاشات مكثفة جرت حول الآلية الجديدة خلال اجتماع اللجنة المشتركة للاتفاق النووي في العاصمة النمساوية فيينا، الأربعاء الماضي، بحضور المديرين السياسيين ومساعدي وزراء خارجية إيران ودول مجموعة 4+1، إضافة إلى مساعدة مفوضة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي هيلغا شميت.
وتقرر في الاجتماع أن يزور وفد طهران لإجراء مزيد من المباحثات مع السلطات الإيرانية المعنية حول آليات عمل القناة، وكذلك طريقة التعاون بينها وبين الهيئة الإيرانية التي يفترض أن يشكلها البنك المركزي، حيث إن الأخير لا يمكنه القيام بذلك لشمولها العقوبات الأميركية.
وبالعودة إلى البيان التأسيسي للآلية، الصادر في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، نرى أنه لم يوضح أموراً عديدة وتركها لنقاشات لاحقة، إذ يقول البيان إن "الدول الأوروبية الثلاث ستواصل العمل لوضع تفاصيل ملموسة وعملية لتحديد طريقة عمل هذه الآلية".
كما يتضح مما ورد في البيان أنه لا يغطي السلع التي شملتها العقوبات الأميركية، حيث يؤكد أن الآلية "ستركز على القطاعات الأكثر ضرورةً للشعب الإيراني، مثل الأدوية، والسلع الطبية، والزراعية، والغذائية"، وهي قطاعات لم يصلها الحظر الأميركي بعد، مما يعني أن "إنستكس" لا تغطي المجالات الاقتصادية الأكثر أهمية بالنسبة إلى إيران، مثل قطاع النفط والمعاملات البنكية، أقله في الوقت الراهن، وأن تلك الأمور متروكة لنقاشات مستقبلية، بحسب مراقبين.
وفي ما يتعلق بنطاق عمل الآلية، يشير البيان إلى أنه يقتصر حاليا على التجارة بين إيران والترويكا الأوروبية.
إلى ذلك، تضمن البيان التأسيسي شروطا عبر ربط عمل القناة المالية بانضمام إيران إلى مجموعة العمل المالي الدولية "فاتف"، والذي يتطلب قيام طهران بتشريعات لازمة للانخراط في هذه المجموعة، أصبحت محل خلافات داخلية حادة داخل مؤسسات صنع القرار الإيراني. ومن تلك التشريعات مشروعا قانونين متبقيان، وهما الاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب "CFT" والاتفاقية الدولية لمكافحة الجرائم العابرة للحدود "باليرمو"، إذ ما زال مشروعا القانونين يراوحان مكانهما داخل أروقة مجمع تشخيص مصلحة النظام في طهران، وتم تأجيل البتّ فيهما إلى العام الإيراني المقبل، أي إلى ما بعد إبريل/نيسان المقبل.
وقلل ذلك من سقف التوقعات الإيرانية من عمل الآلية الأوروبية، ونجاحها في التعويض عن الخسائر الاقتصادية التي لحقت بطهران نتيجة الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي.
ورغم ترحيب إيراني خجول بهذه الخطوة الأوروبية، رفضت الحكومة الإيرانية الشروط الواردة في البيان، حيث قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف في وقت سابق: "لا نقبل ربط الآلية المالية للتبادل التجاري (INSTEX) بمعاهدة مكافحة الإرهاب وغسل الأموال (FATF)، كما أننا لا نقبل مماطلة أوروبا بتطبيق الآلية".
وفيما تواصل الحكومة الإيرانية مفاوضاتها مع الأوروبيين حول الحفاظ على الاتفاق النووي، ناشدها المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، قبل أيام بالقول "لا تنتظروا أوروبا"، مؤكدا: "يجب عدم تعويد الناس على الحزمة المقترحة من جانب الاتحاد الأوروبي إلى إيران"، مخاطبا أعضاء الحكومة الإيرانية: "تابعوا العمل بجدية في إطار قدرات البلد، لا تنتظروا هذا وذاك."