يشهد الريال اليمني تحسناً مستمراً أمام العملات الأجنبية، إذ انخفض في السوق السوداء متساوياً مع السعر الرسمي للبنك المركزي عند 450 ريالاً للدولار الواحد متراجعاً من 800 ريال للدولار خلال سبتمبر/ أيلول الفائت، بعد إجراء إصلاحات نقدية ومعالجات اقتصادية أعلنتها الحكومة، لكن تحسن الريال لم ينعكس على أسعار السلع ولا تزال معدلات التضخم مرتفعة.
وأعلن البنك المركزي يوم الخميس، خفض السعر الرسمي للصرف من 548 إلى 450 ريالاً للدولار، وقال محافظه محمد زمام إن هذا هو السعر العادل للصرف، وسيستمر حتى نهاية العام الجاري، وأوضح أن البنك نفذ إصلاحات نقدية منها رفع أسعار الفائدة وطرح سندات نقدية بنحو 100 مليار ريال.
ومر الريال بأوقات عصيبة خلال الشهور القليلة الماضية، وتسارعت وتيرة انهياره بمستويات غير مسبوقة في النصف الثاني من سبتمبر/ أيلول 2018، عندما وصل سعر الصرف ذروته 800 ريال في 30 سبتمبر و1 أكتوبر/ تشرين الأول، مقارنة مع 600 ريال منتصف سبتمبر، مرتفعاً بنحو 33.3% خلال أسبوعين، وفقاً لوزارة التخطيط اليمنية.
وفي 26 سبتمبر/ أيلول 2018، في خضم الأزمة، أعلن البنك المركزي في عدن رفع سعر صرف تمويل واردات السلع الأساسية من 470 ريالاً للدولار إلى 585 ريالاً، وشرع في فتح الاعتمادات المستندية لمستوردي السلع الأساسية، ما سد شهية المضاربين في سعر الصرف وأجبرهم على خفضه من 800 إلى دون 700 ريال في 2 أكتوبر/ تشرين الأول، لكنه عاود الارتفاع تدريجاً متجاوزاً 745 ريالاً بحلول نهاية الشهر ذاته.
واستأنف الريال تهاويه مرة أخرى إلى دون 700 ريال/ دولار في النصف الأول من نوفمبر 2018، عقب ضخ البنك المركزي في عدن نحو 170 مليون دولار لتمويل واردات السلع الأساسية، حين شهدت العملة اليمنية تحسناً مستمراً، ويرتفع إلى 600 ثم إلى 550 ريالاً للدولار ويستقر عند 450 ريالاً للدولار يوم 29 نوفمبر.
أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء علي كليب، أبدى خشيته من أن يكون التحسن "خادعاً"، وقال لـ"العربي الجديد" إن "الصيارفة غالباً ما يشترون ولا يبيعون، في إطار مضاربة تستغل السذج من الناس، بحيث يسحبون مبالغ تخصصها الحكومة لأغراض تخدم معيشة المواطنين، ثم يعودون للتلاعب ورفع السعر من جديد سعياً وراء الربح. وإن كان هناك بيع وشراء فهناك بوادر لعودة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها".
أستاذ الاقتصاد في جامعة عدن يوسف سعيد، أكد أهمية أن يكون التحسن في سعر الصرف مستداماً ومعبّراً عن توازن العرض الكلّي والطلب الكلّي في الاقتصاد.
وقال: "يجب أن يكون التحسن في العملة مدعوماً ومعبّراً عن واقع الاقتصاد الحقيقي، بمعنى أن يكون هناك نمو حقيقي في ما ينتجه المجتمع من سلع وخدمات، معبراً عنه بنموّ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وما يستتبع ذلك من كبح الاختلالات العميقة القائمة في المؤشرات الاقتصادية الكلّية".
ارتفاع أسعار السلع
وانعكس تهاوي قيمة العملة المحلية وارتفاع الأسعار الدولية للوقود على الأسعار المحلية للوقود والسلع الغذائية الأساسية، باعتبارها الأكثر تأثيراً على معدل التضخم العام والظروف الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.
وزارة التخطيط قالت في تقرير صدر منتصف الشهر الجاري، واطلع عليه "العربي الجديد"، إن أسعار البترول والديزل ارتفعت في الأسبوع الأخير من سبتمبر/أيلول الماضي بنحو 66% و48.1% مقارنة بمتوسط أغسطس/ آب 2018، متأثرة بعوامل أخرى بأزمة سعر الصرف.
وحدث شحّ كبير في الكميات المعروضة من البترول والديزل من نهاية سبتمبر/ أيلول حتى النصف الأول من أكتوبر/ تشرين الأول، فيما لا يزال النقص مستمراً في الغاز المنزلي في غالبية المحافظات وارتفع سعره نحو 48%.
كما انعكس تهاوي الريال في ارتفاع أسعار الغذاء وتدهور الأمن الغذائي. وبحسب وزارة التخطيط، "أثبتت صدمة سعر الصرف الأخيرة وجود علاقة طردية قوية، بين ارتفاع سعر صرف الدولار والزيادة في أسعار السلع الغذائية الأساسية، إذ شهدت السوق المحلية ارتفاعاً حاداً في أسعار السلع الغذائية المستوردة، بما فيها دقيق القمح (20.2%) وزيت الطبخ (19.7%) والفاصولياء (11.5%) والسكر (17%) أواخر سبتمبر/ أيلول 2018 مقارنة بما كانت عليه في أغسطس/ آب 2018.
ورغم تراجع سعر الصرف وتحسن قيمة العملة اليمنية، لا تزال معدلات التضخم مرتفعة، وقدّر صندوق النقد الدولي في أحدث تقاريره أن معدل التضخم في اليمن بلغ 41.8، بحسب الأرقام المنشورة على موقع الصندوق.
رئيس دائرة التوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط اليمنية، عبد المجيد البطلي، اعتبر أن التضخم هو واحد من أسوأ المشاكل الاقتصادية التي يمكن أن تصيب اقتصاد البلد.
وقال لـ"العربي الجديد"، إن "صدمات الأسعار الدولية وتقلبات سعر الصرف والإفراط في العرض النقدي وزيادة الأعباء الضريبية، وازدواج الرسوم الجمركية وإغلاق أغلب المنافذ البرية والجوية، هي كلها ضمن أهم العوامل التي تقود ديناميكيات التضخم في اليمن، وعادة ما تنعكس الصدمات الخارجية للأسعار الدولية وسعر الصرف على معدل التضخم في المدى الآني والقصير.