بما أن معظم أبناء وأسر الشرطة والجيش والقضاه لا يستقلون القطارات ووسائل النقل العام الشعبية، فلا يهم الحكومة المصرية الاهتمام بمرفق سكك الحديد البالغ عمره 176 عاما ويستقله سنويا ما لا يقل عن 400 مليون راكب، أغلبهم من الطبقات الفقيرة والمعدمة ومحدودي ومتوسطي الدخل والطلاب وموظفي الدولة.
وطالما أن لدى مصر حكومة همها الأول وضع يدها في جيب المواطن، عبر زيادة الضرائب والجمارك والرسوم، والتوسع في الاقتراض الخارجي والداخلي بلا حساب، فلا تهمّها إذاً حياة الناس وأرواحهم ومستقبلهم، ولا تعنيها أصلاً معرفة كيف يدبر ملايين المواطنين أحوالهم المعيشية بالغة القسوة، أو كيف يتعاملون مع قفزات الأسعار المتواصلة، وكيف يدير المواطن حياته اليومية من أكل وشرب ونقل ومواصلات وغيرها.
وطالما أن لدى مصر حكومة مشغولة بتأسيس سجون وأقسام شرطة ومراكز احتجاز جديدة، وإقامة عاصمة إدارية جديدة يسكنها الأثرياء وعلية القوم والفئات المرضي عنها سياسيا، فهي إذاً غير معنية بتطوير قطارات متهالكة حتى وإن حصد حادث واحد أرواح عشرات الأبرياء كما جرى اليوم.
فما يتوفر من فاتورة دعم البنزين والسولار والوقود، والذي يقدر بمليارات الجنيهات، يذهب لتمويل مشروعات العاصمة الجديدة التي يتم وصفها في الاعلام بأنها "عاصمة سياحية استثمارية ذكية مركزية"، فالعاصمة أهم عشرات المرات من أرواح الموطنين.
وطالما أن المواطن لا يساوي شيئاً عند حكومة كل همهما هو إذلاله لأنه ثار على فسادها وجبروتها وطغيانها في ثورة 25 يناير، لذا فهي تكتفي بتصريحات مخدرة ومكررة تطلقها عقب كل حادث مآساوي عن خطة قومية لتطوير وسائل النقل العام ومنها سكك الحديد.
وطالما أن لدى مصر حكومة تفضل إيداع الأموال التي بحوزتها في البنوك للحصول على أسعار فائدة وعوائد بدلا من ضخها في مشروعات خدمية تتعلق بالمواطن، فلن يهمها تطوير مرفق بحجم سكك الحديد، وسيلة النقل الرئيسية في مصر.
تطوير منظومة السكة الحديد يحتاج إلى 45 مليار جنيه فقط حتى العام 2022 كما أعلنت الحكومة عشرات مرات، وهذا المبلغ يقل كثيراً عن تكلفة حفر تفريعة جديدة بقناة السويس بلغت تكلفتها 64 مليار جنيه ( وبما يعادل 8 مليارات دولار بأسعار صرف عام 2015)، إضافة إلى تكلفة أخرى تتحملها الموازنة العامة للدولة تفوق 40 مليار جنيه هي كلفة أسعار الفائدة المستحقة على الأموال التي تم اقتراضها لتمويل شق التفريعة.
كلفة تطوير سكك حديد مصر لا تساوي شيئا مقابل تكلفة المرحلة الأولى من العاصمة الإدارية الجديدة البالغة 45 مليار دولار وبما يعادل 800 مليار جنيه، وتكلفة إنقاذ حياة المصريين الذين يستقلون القطارات يوميا تقل عن ثلث تكلفة توصيل المرافق الرئيسية بالعاصمة الجديدة البالغة 140 مليار جنيه، بل وتعادل كلفة إنقاد أرواح المواطنين تكلفة بند واحد هو إنشاء محطة الكهرباء بالعاصمة الإدارية البالغة 2 مليار يورو، ما يزيد عن 40 مليار جنيه.
والـ 400 مليون جنيه التي تم إنفاقها على إقامة مسجد وكنيسة بالعاصمة الإدارية الجديدة كان من الممكن أن يتم بهما شراء كراجات جديدة وتطوير عشرات مزلقانات السكك الحديدية وتحسين رواتب السائقين والمساعدين.
وكلفة إعادة هيكلة سكك حديد مصر تقل كثيرا عن تكلفة إقامة فندق الماسة البالغة مليار جنيه، وإقامة قصر جمهوري ومقار للأوبرا والبرلمان ومجلس الوزراء، وتأسيس أكبر وأحدث مطار في الشرق الأوسط، بل وربما تقل عن كلفة شق قناة مائية من البحر الأحمر حتى العاصمة الإدارية بطول 58 كم ويقام على جانبيها الفيلات والقصور والشاليهات.
والمواطن أهم عشرات المرات من مشروع ترميم التراث اليهودي الذي خصصت له الحكومة 1.2 مليار جنيه من الموازنة العامة ومخصصات الضرائب، والمواطن أهم من شراء طائرات رئاسية جديدة، وأهم من المؤتمرات التي تقام من وقت لأخر للشباب دون معرفة جدواها.
نحن أمام حكومة أولوياتها غير موجهة للمواطن البسيط الذي لا يعنيها من قريب أو بعيد، بل همها توجية مئات المليارات لإقامة مزيد من السجون والمشروعات التي تصفها بالقومية والكبرى.
وما العاصمة الإدارية الجديدة وتفريعة قناة السويس إلا مثال على هدر الأموال العامة وعدم توجيهها الوجهة السليمة وهي تقديم خدمات للمواطن وتأسيس مدارس ومستشفيات وتطوير وسائل النقل العام.