يبدي برلمان تونس انشغالا كبيراً بشأن وضع الدينار، الذي يواصل الانزلاق أمام الدولار الأميركي واليورو الأوروبي، معبرا عن مخاوف من محاولات تعويم العملة المحلية، في ظل تكتم حكومي على السياسة النقدية التي ستعتمدها العام المقبل وعدم ذكر فرضية سعر الصرف الذي اعتمدته في قانون المالية (الموازنة).
وطالب برلمانيون محافظ البنك المركزي مروان العباسي بالالتزام بالقانون الأساسي للبنك، الذي يفرض على المحافظ الحضور إلى البرلمان لتقديم خطته النقدية كل ستة أشهر، معتبرين أن المؤشرات النقدية توحي بالتدرج نحو خطة تعويم شاملة.
وشهد سعر صرف الدينار تذبذباً كبيراً أمام عملتي الدولار واليورو منذ مطلع العام 2011، فيما أرجع خبراء ومسؤولون حكوميون ذلك إلى العجز الكبير في الميزان التجاري، وتراجع القطاع السياحي والاستثمار الأجنبي المباشر اللذين أدّيا إلى تراجع الاحتياطي من العملة الصعبة، فيما يحمّل برلمانيون السياسات الحكومية جزءاً من مسؤولية تراجع الدينار.
وقال عضو البرلمان سالم الأبيض إن "وضع العملة المحلية مثير للانشغال، بسبب تواصل المسار التنازلي لها وعدم كشف البنك المركزي عن أي خطة للحد من هذا الانزلاق"، مشيرا إلى أن محافظ البنك مروان العباسي لم يقدم أي توضيحات للبرلمان في هذا الشأن منذ أكثر من سنة، بينما لا بد من إحاطة الرأي العام بمصير العملة المحلية.
وأضاف الأبيض في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن القانون الأساسي للمركزي التونسي يفرض على المحافظ القدوم إلى المجلس كل ستة أشهر لتقديم توضيحات بشأن السياسة المالية للبلاد، بينما يحظى وضع العملة باهتمام بالغ لارتباطها بمعيشة التونسيين.
وتابع: "أعضاء البرلمان سيطالبون بتوضيحات بشأن تواصل انزلاق الدينار وخطة التعويم المقنعة، التي تعتمدها الحكومة بإملاءات من صندوق النقد الدولي الذي أمر بمزيد من خفض قيمة الدينار".
وفي إبريل/ نيسان الماضي طالب صندوق النقد الدولي السلطات التونسية مجددا بمزيد من خفض قيمة العملة المحلية، فيما اعترف محافظ البنك المركزي بعدم قدرة البنك على الدفاع عن الدينار.
وأمس، الإثنين، سجّل الدينار مستوى قياسيا جديدا مقابل اليورو، ليتجاوز اليورو لأول مرة 3.4 دنانير في سوق ما بين البنوك، وفقا لبيانات البنك المركزي، بينما كان سعره في 2011 نحو 1.81 دينار. كما بلغ سعر الدولار نحو 2.94 دينار، بينما كان بنحو 1.26 دينار مطلع 2011.
وخسر الدينار نحو 14.9% من قيمته أمام العملة الأوروبية الموحدة منذ بداية العام الجاري 2018، لتضاف إلى تراجع بلغت نسبته 21.3% خلال العام الماضي.
وقال وليد بن صالح، الخبير المالي، لـ"العربي الجديد"، إن انزلاق الدينار نتيجة حتمية لارتفاع العجز التجاري إلى مستويات قياسية، مستبعدا فرضية التعويم على الطريقة المصرية.
وحررت مصر سعر الجنيه في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 ما أدى إلى تهاويه أمام الدولار الذي قفز بأكثر من 100% فور التعويم.
وأضاف بن صالح أن لتراجع الدينار تداعيات عدة، وتظهر جليا في ارتفاع كلفة الدين العام، الذي يسدد الجزء الأكبر منه باليورو الدولار، وزيادة كلفة المعيشة المتأثرة بزيادة أسعار السلع المستوردة ومدخلات الإنتاج.
وسجل العجز التجاري في تونس مستوى قياسيا خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، بعد أن بلغ 15.9 مليار دينار (5.6 مليارات دولار)، بارتفاع بلغت نسبته 21% عن الفترة نفسها من العام 2017، بينما يزيد بنسبة 48% عن الأشهر العشرة الأولى من العام 2016.
ومع هذه المؤشرات، اعتبر رئيس الحكومة يوسف الشاهد أن حكومته منعت وصول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلى الأسوأ، مشيرا إلى أن الأوضاع سائرة نحو التحسن بداية من العام القادم.
وأشار الشاهد في حوار لقناة "التاسعة" المحلية، مساء الجمعة الماضي، إلى أن الاتفاق الموقع مع صندوق النقد الدولي بشأن الإصلاحات الاقتصادية سابق لحكومته التي استلمت المهام في أغسطس/ آب 2016، غير أن الدولة التزمت باتفاقاتها من أجل ضمان الحصول على شرائح قرض الاتفاق الممدد الذي تحتاجه البلاد لتمويل جزء من الموازنة.
وانتقد تعطيل البرلمان لمشاريع قوانين اقتصادية كانت ستساعد على رفع رصيد البنك المركزي من العملة الصعبة، لافتا إلى أن الحكومة طلبت استعجال النظر في هذه القوانين دون الحصول على رد من مجلس نواب الشعب.