ولم يحدد إسماعيل ملامح الإجراءات، إلاّ أن مصادر حكومية نافذة في وزارتي الاستثمار والمالية كشفت، لـ"العربي الجديد"، عن أن السيسي أمر الحكومة بإعداد خطة متكاملة لخفض التزامات الدولة تجاه المرافق الأساسية وبنود الأجور خلال العام المالي المقبل، خلال شهر واحد، وصياغتها بصورة ترضي البرلمان، وإلاّ فسوف يجري تعديلاً وزارياً داخل المجموعة الاقتصادية في الحكومة، التي تشمل وزراء المالية والاستثمار والتخطيط والتجارة والصناعة والتموين والكهرباء والإسكان والمرافق والبترول.
وأشارت المصادر إلى أن وزراء المجموعة يعقدون اجتماعات مكثفة للبحث عن طرق جديدة لتمويل خزانة الدولة، وأن "مسألة خفض دعم الوقود والكهرباء والمياه لم تعد محل شك، والمشكلة الآن هي تحديد نسبة الخفض وتوقيت اتخاذ القرار".
وأكدت أن "جهات سيادية حذرت من اتخاذ قرار خفض الدعم بصورة عشوائية دون اختيار التوقيت المناسب، خشية حدوث قلاقل وانتفاضات شعبية، قد تؤثر سلباً على قوة ووجود نظام السيسي" خاصة مع رصدها لتدني شعبية السيسي في الشارع، بسبب زيادة الأسعار وضعف أداء المرافق وعودة الممارسات السلبية لجهاز الشرطة وتراجع الحريات.
وكشفت عن أن المقترحات المتداولة تستهدف تخفيض دعم الكهرباء إلى 25 مليار جنيه في الموازنة الجديدة، مقابل 31 ملياراً في الموازنة الحالية و28.7 ملياراً في الموازنة السابقة، وخفض دعم توصيل الغاز إلى المنازل إلى مليار جنيه بدلاً من 1.2 مليار، وتقليص دعم المياه إلى مليار جنيه بدلاً من 1.750 مليار في الموازنة الحالية.
وتستهدف هذه المقترحات أيضا خفض مصروفات الأجور إلى 200 مليار جنيه، بدلاً من 218 مليار جنيه، مما يفسر تمسك الحكومة بتطبيق قانون الخدمة المدنية، رغم إسقاطه رسمياً من قبل مجلس النواب، وذلك لأن عودة تطبيق قانون الوظيفة العامة، المعروف بالقانون 47، سيؤدي إلى زيادة مصروفات الأجور إلى 230 مليار جنيه على الأقل.
وتسعى المجموعة الاقتصادية أيضاً إلى خفض دعم المزارعين إلى 3 مليارات جنيه، بتراجع 700 مليون عن الموازنة الحالية.
ويعتبر قطاع الإسكان الحكومي القطاع الوحيد الذي يحقق إيرادات ثابتة للدولة، خاصة مع زيادة أسعار الوحدات السكنية، التي باعتها الحكومة لفئات الإسكان المتوسط، حيث يخطط السيسي لتمويل مشروعات الإسكان لفئات محدودي الدخل، بحيث ينخفض دعم الإسكان في الموازنة الجديدة إلى 20 مليار جنيه بدلاً من 25.3 مليارا في الموازنة السابقة.
ولم تحدد المجموعة الاقتصادية حتى الآن النسبة المطلوب خفضها من دعم الوقود، لكن المصادر توقعت ألا يزيد انعكاس أي قرار جديد بخفض الدعم عما أحدثه قرار خفض الدعم السابق، في بداية عهد السيسي.
وإلى جانب خطط المرافق والوقود، تعول الحكومة كثيراً على البرلمان لتمرير قانون ضريبة القيمة المضافة، وهي التي اشترط البنك الدولي تطبيقها في اتفاقية إقراض مصر مليار دولار.
غير أن نواب البرلمان يعارضون فرض هذه الضريبة، باعتبار أن الحكومات تفضل فرضها لسهولة جمعها وقلة تكاليفها الإدارية، رغم عدم تقيدها بمبادئ العدالة الاجتماعية، وتشكيلها عبئاً أكبر على الفئات الاجتماعية الأضعف، وعدم قدرة هذا النظام الضريبي على مواكبة التفاوت الكبير بين دخول مختلف شرائح المجتمع المصري.
وترى الحكومة المصرية أن تطبيق هذه الضريبة لن يضمن فقط إتمام القرض، الذي لم يعرض حتى الآن على البرلمان للموافقة عليه، بل إنه سيجبر أضرار عجز الحكومة عن تحصيل المبالغ المقررة في الموازنات العامة الأخيرة تحت بند ضريبتي الدخول والمبيعات، نظراً لانتشار ظاهرة التهرب الضريبي وعدم قدرة الدولة على حصر جميع المستهدفين من هذه الضريبة، وهو ما ينذر بمعركة برلمانية جديدة ربما تكون أكثر حدة من قضية قانون الخدمة المدنية.
وأوضحت مصادر حكومية أن قرار زيادة الجمارك، الذي أصدره السيسي مؤخراً، كان على رأس إجراءات زيادة التمويل، لكنه أدى إلى زيادة أسعار السلع، وذلك رغم عدم تطبيق الزيادة عملياً لضيق الوقت وضعف عمليات الاستيراد في هذا الوقت من العام، مما يهدد بزيادة أسعار المنتجات المستوردة بنسبة 30% على الأقل، خصوصا في مستهل العام الدراسي المقبل عند انتعاش استيراد السلع الصينية.
وأكدت المصادر نفسها أن "تأثر المواطنين البسطاء بأية زيادة في الضرائب أو الجمارك أمر حتمي، رغم أن الأذرع الإعلامية للحكومة تحاول إيهام المواطنين بأن الزيادة ستطرأ فقط على السلع الترفيهية أو الخدمات النخبوية".
اقرأ أيضاً: الدولار يقفز إلى 9 جنيهات بالسوق السوداء في مصر