وهوت الليرة السورية اليوم، إلى ما دون أسوأ سعر سجلته أمام الدولار بنهاية سبتمبر/ أيلول عام 2016 عندما بلغ سعر صرف الدولار 645 ليرة و710 ليرات أمام العملة الأوروبية الموحدة، لتزيد، وفق محللين، معاناة الشعب السوري المثبتة أجوره منذ ثلاثة أعوام، عند نحو 45 ألف ليرة سورية، رغم زيادة الأسعار بأكثر من 13 ضعفاً عمّا كانت عليه عام 2011 وزيادة إنفاق الأسرة السورية عن 250 ألف ليرة شهرياً.
ويقول الاقتصادي عبد الناصر الجاسم، لـ"العربي الجديد"، إنه ليس بعيداً أن يصل سعر الدولار إلى ألف ليرة، إن استمرت العقوبات الأميركية والأوروبية والتخبط باستيعاب صدمة تهاوي الليرة، من قبل مصرف سورية المركزي وحكومة بشار الأسد.
ويلفت أستاذ الاقتصاد بجامعة ماردين التركية، إلى أن ما أشيع عن خلافات ضمن "الأسرة الحاكمة" والحجز على ممتلكات "آل مخلوف" زاد من مخاوف السوريين، ووجدناهم يهربون من الليرة، باتجاه العملات الرئيسية ليبلغ سعر الدولار والذهب، إلى أعلى مستوى بتاريخ سورية.
وحول أهم الأسباب الاقتصادية التي دفعت بالليرة للتهاوي، يضيف الجاسم، أن هناك أسبابا معروفة وقديمة، كتراجع واردات الخزينة العامة، بعد شلل السياحة وخسائر الميزان التجاري، بواقع تراجع الصادرات، فضلاً عن تبديد الاحتياطي النقدي الأجنبي بالمصرف المركزي، من أكثر من 18 مليار دولار عام 2011 إلى بضعة ملايين اليوم.
ويستدرك الأكاديمي الجاسم، بأن أسباباً اقتصادية مهمة ظهرت هذه الفترة، وهي برأيي، سرّعت من خسائر الليرة، ربما أهمها، سعي التجار إلى السوق السوداء لشراء الدولار، لتمويل مستورداتهم المتعاقد عليها سابقاً، بعد رفض المصرف المركزي تمويل الصادرات.
ويضيف الجاسم أن الفارق الهائل بين السعر الرسمي للدولار "437 ليرة" وبين سعر السوق اليوم "682 ليرة" أدى لتراجع العرض الدولاري بالسوق وزيادة الطلب عليه.
كما أن الطلب على الدولار نشط بشمال غرب سورية، بعد تقدم جيش الأسد والروس، بسبب مخاوف السوريين، أو التحضير للهجرة تهريباً، ما رفع أيضاً سعر الدولار بالمناطق المحررة، ونراقب أشكال التخلي عن الليرة السورية هناك، تجاه العملات الأجنبية أو حتى التركية، ونحو الذهب.
ولا يستبعد الجاسم أن يكون للمضاربة سبب مهم خلال هذه الفترة، لأن القانون غائب والتخبط من المصرف المركزي الذي يبقي على تفاوت أسعار الدولار مستمرة، بل واكتفاء حكومة بشار الأسد بدور المتفرّج أو الذي يعالج الأزمات الاقتصادية بالوعيد والوعود.
وبدأ مشوار تهاوي سعر العملة السورية هذا العام، منذ يوليو/تموز الماضي لتتعدى ولأول مرة منذ ثلاث سنوات، خلال شهر آب الماضي، حاجز 600 ليرة مقابل الدولار، على الرغم من التقدم العسكري الذي حققه جيش النظام والقوات الروسية في شمال غرب سورية، خلال الشهرين الماضيين.
وكان مسلسل تهاوي سعر الليرة، قد تزامن مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، إذ لم يزد سعر صرف الدولار عن 45 ليرة، حيث أخذت الليرة مع نهاية كل عام تستنزف من قيمتها، لتسجل نهاية عام 2012 نحو 97 ليرة للدولار.
وبدأت التراجعات الكبيرة منذ عام 2013 حيث وصل سعر صرف الدولار في مارس/آذار إلى نحو 120 ليرة وتجاوز سعر الدولار 300 ليرة بنهاية العام.
وتعافت الليرة قليلاً عام 2014 فتراوح سعر الصرف بين 170 ليرة منتصف العام و220 ليرة نهاية 2014، ليعاود تراجع سعر الليرة بعام 2015 ليصل إلى 380 ليرة للدولار الواحد، وتبلغ أسوأ سعر لها على الاطلاق، عام 2016 عندما هوت إلى 640 ليرة تقريباً للدولار الواحد.
وليعاود سعر الليرة التحسن منذ عام 2017، بالقياس مع سعر عام 2016، ليراوح السعر عند عتبة 500 ليرة، قبل أن يتحسن أيضاً مطلع عام 2018 ومن ثم أخذ بالتراجع منذ مطلع العام الجاري الذي بدأته العملة السورية، بنحو 500 ليرة للدولار.
ويقدر باحثون حجم الكتلة النقدية المطروحة بالليرة السورية اليوم، بنحو 700 مليار ليرة، بعد طباعة أوراق نقدية في روسيا من فئة 500 ومن ثم 1000 وبعدها 2000 ليرة عليها صورة بشار الأسد، مؤكدين، أن للتمويل بالعجز، سبباً مهما بتهاوي الليرة.
ووفق مختصين، بلغت كتلة النقود بالعملة السورية عام 2018 قرابة ثلاثة أضعاف كتلة النقود الموجودة في عام 2010، في حين تراجع النشاط الاقتصادي الإنتاجي المعبر عنه بالناتج المحلي الإجمالي، بمقدار يفوق 60%.