تنفرد المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، بإنتاج البيانات الاقتصادية والمؤشرات الاجتماعية الدقيقة خاصة حول البطالة. غير أن الطابع الرسمي للمؤسسة، لا يمنع رئيسها أحمد الحليمي علمي من توجيه انتقادات للمنظومة الاقتصادية وغياب التناغم بين السياسات العمومية، داعياً إلى نوع من التخطيط الاستراتيجي، الذي يحدد الأهداف على المديين المتوسط والطويل.
آخر بيانات المندوبية تشير إلى ضعف النمو الاقتصادي الذي لن يتجاوز 2.7 في المائة في العام الحالي، بينما تراهن الحكومة على 3.2 في المائة. نمو هش لا يرتهن للتساقطات المطرية، ولا يساهم في خلق فرص العمل، فالبطالة ستظل في حدود 10 في المائة في العام الحالي، وهذا المعدل يخفي الكثير من التباينات في حجم البطالة ما بين المدن والأرياف.
ينتقد الحليمي الامتثال لتوصيات صندوق النقد الدولي، الذي يلح على عدم تجاوز التضخم 2 في المائة وعجز الموازنة 3 في المائة والمديونية 60 في المائة، حيث يعتبر أنه يمكن رفع تلك النسب بما يساعد على إعطاء دفعة قوية للاقتصاد، فهو يصف مستوى التضخم الذي لن يتجاوز في العام الحالي 0.8 في المائة وفي العام المقبل 1 في المائة بالفضيحة.
يشدد في تصريحاته على أنه لا ضير من التوسع في الاستدانة من الخارج، إذا ما وجه الدين الخارجي للاستثمار، خاصة أنه لا يمثل اليوم سوى 13 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، فيما يتصور أنه يتوجب تقليص اللجوء للاستدانة من السوق الداخلية، ما يشكل عامل إزاحة للقطاع الخاص، الذي يعاني من صعوبة الحصول على السيولة من السوق.
يذهب الحليمي، الذي ساهم في هندسة حكومة التناوب التي تولاها عبد الرحمن اليوسفي والتي شغل فيها منصب وزير الشؤون العامة، إلى أنه يجب التخلص من البعد الدوغمائي لتوصيات صندوق النقد الدولي، وعدم التمسك بالتوازنات الماكرواقتصادية في ذاتها.
ويصوّب على المديرة السابقة للصندوق كريستين لاغارد، التي كانت توصي الدول بالتقشف، بينما ستسعى بعد تسلم مهمة قيادة سياسة البنك المركزي الأوروبي، إلى ضخ الأموال فيه لمعالجة بطء النمو الاقتصادي.
لم يكف الحليمي منذ سنوات عن الدعوة إلى تملك المصير الاقتصادي للمملكة، ويحيل على الدراسات التي تنتجها المندوبية السامية للتخطيط، حول القطاعات الإنتاجية المحلية الواعدة، لكنه يبدي بعضاً من خيبة الأمل عندما يلاحظ أن التجاوب من قبل أصحاب القرار الاقتصادي، إيجابا أو سلبا، منعدم، رغم تأكيده أن رؤيته لما يجب أن يكون عليه الاقتصاد تمليها الرغبة في خلق نقاش عمومي، يساعد في رسم معالم سياسة اقتصادية، تكون لها أهداف اجتماعية.
لا يكف عن العودة إلى ستينيات القرن الماضي، عندما كان جزءا من شباب قادة الحركة الوطنية، الذين تمكنوا بفضل الحماس الوطني، من بلورة رؤية لما يجب أن يكون عليه الاقتصاد بعد التخلص من الاستعمار.
وكثيرا ما يذكر الزعيم الاشتراكي، عبد الرحيم بوعبيد، الذي كان وزير الاقتصاد في حكومة عبد الله إبراهيم، والتي استطاعت أن تطلق في ثمانية عشر شهرا من عمرها، الكثير من المشاريع المؤسسة في تاريخ الاقتصاد المغربي، فقد أسست المصفاة الوحيدة "لاسامير" والذراع المالية للدولة، صندوق الإيداع والتدبير، والعديد من البنوك، وربطت التحرر الاقتصادي بالانفصال عن الفرنك الفرنسي وتبني الدرهم الحالي.
وقد كرر صندوق النقد الدولي الثلاثاء دعوته للمغرب للمضي قدما نحو زيادة مرونة سعر الصرف بهدف تعزيز مرونة الاقتصاد أمام الصدمات الخارجية وتعزيز القدرة التنافسية.
وفي يناير/ كانون الثاني 2018، وسع المغرب نطاق تداول الدرهم مقابل العملات الصعبة إلى 2.5 في المائة من السعر المرجعي من 0.3 في المائة.
وقال الصندوق "كانت المرحلة الأولى من الانتقال إلى مزيد من المرونة في سعر الصرف ناجحة". وأبلغت السلطات صندوق النقد الدولي أن المرحلة التالية في تعويم الدرهم سيتم إطلاقها عندما تسمح الظروف الاقتصادية بذلك.