لم تعد ظاهرة تأجير الأطفال لعصابات التسول، غريبة في بعض أحياء بغداد الفقيرة، وأصبح بعض سكانها يمنحون أطفالهم للمتسولين، مقابل أجر بسيط لا يكاد يكفي قوت يومهم.
وتقول كريمة الساعدي، التي تسكن في المنطقة العشوائية بحي الشعلة شمال غرب بغداد، إنها رفضت رفضاً قاطعاً عروض بعض المتسولين لتأجير طفلها سعد، البالغ من العمر خمس سنوات، مؤكدة لـ"العربي الجديد" أنها كانت تخشى عليه كثيراً بسبب الإعاقة التي أصيب بها منذ ولادته.
وأضافت "لكن ضغوط الحياة ومتطلبات معيشة أفراد عائلتي، الذين قتل والدهم خلال الحرب مع تنظيم داعش الإرهابي دفعتني للتفكير بهذا العرض".
وتابعت "اضطررت للاستجابة قبل نحو ثلاثة أشهر، وقبلت بتأجير ابني من الساعة السابعة صباحا حتى التاسعة ليلا مقابل 25 ألف دينار عراقي يوميا (ما يعادل 20 دولارا أميركيا)، موضحة أن هذا الأمر لا يحصل يومياً، بل أيام الجمعة من كل أسبوع، وأياماً أخرى بحسب حاجة المتسولين.
هذه الظاهرة التي تمثل إهانة للإنسان العراقي تفشت بكثرة في الآونة الأخيرة، وفقا لما نقله عامر سامي (سائق تاكسي) الذي أكد أنه نقل أكثر من حالة من هذا النوع. وبيّن لـ "العربي الجديد" أن لديه عدداً من الزبائن الذين يفترشون الأرض على أنهم متسولون، وأنه تمكن من خلالهم من اكتشاف هذه الظاهرة.
وأشار إلى أنه كان يعتقد أن جميع الأطفال الذين يظهرون برفقة المتسولين والمتسولات هم من أبنائهم وبناتهم، معرباً عن صدمته حين شاهد عمليات تأجير الأطفال التي يعقدها بعض زبائنه.
وأضاف "في كثير من الأحيان يذهب المتسولون إلى أحياء أبو دشير والصدر والشعلة والمناطق العشوائية الأخرى في بغداد لاستئجار الأطفال الذين يستخدمون للاستجداء"، مؤكدا أنه اكتشف أيضاً أن الأجور تتراوح ما بين 15 و30 ألف دينار عراقي (ما يعادل 12 و24 دولارا أميركيا) وأن الأولوية تكون للأطفال، من ذوي الإعاقة والمشوهين والرضع.
ولفت إلى أن الأطفال من أصحاب الإعاقة والرضع يأتون بأموال أكثر للمتسولين بسبب تعاطف الناس معهم، موضحا أن عمليات الاستجداء تحصل في تقاطعات الطرق المهمة في المنصور واليرموك والكرادة والجادرية وزيونة وشارع فلسطين، وهي مناطق تتواجد فيها قوات الشرطة على مدار الساعة.
وفي السياق، أعرب الباحث الاجتماعي وائل صادق، عن اعتقاده أن هذه الظاهرة تمثل مؤشراً خطيراً على تدني المستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة العراقية. وأكد لـ "العربي الجديد" أن الجهات الحكومية تتحمل المسؤولية بالدرجة الأولى قبل أن تنتقل المسؤولية إلى بقية مستويات وطبقات المجتمع.
واعتبر أنه على الرغم من تردي الواقع الاقتصادي، إلا أن ذلك لا يبرر تأجير الأطفال والرضع لمافيات المتسولين"، متسائلاً "ما مصير هؤلاء الأطفال حين يكبرون، غير الانحراف والجريمة"؟
وأشار إلى أن هذه الظاهرة وغيرها، هي قضايا تتطلب وقفة عاجلة من قبل الحكومة العراقية التي عليها أن تتخذ إجراءات عاجلة لمكافحة الفقر، فضلاً عن تشديد الإجراءات الأمنية، لكبح جماح عصابات التسول التي تحول بعضها إلى معاهد لإعداد المجرمين.