مائدة رمضانية في بغداد عمرها أكثر من ألف عام
بغداد
محمد الملحم
محمد الملحم
يجتمع المئات يومياً على مائدة إفطار تجاوز عمرها الألف عام في بغداد، إذ تجمع المائدة الفقير والمسافر والسائح وحتى النازحين العراقيين والسوريين، ومن يأتيها أيضاً بحكم العادة باعتبارها جزءا من طقوس شهر الصيام.
ودرج جامع الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان، أحد أقدم مساجد بغداد، منذ قرون طويلة على إقامة مأدبة الإفطار والسحور طوال شهر رمضان. وعادت المائدة الرمضانية مجددا لتستقطب أيضاً وفود السياح والزوار من دول آسيا وأفريقيا، وكذلك وفود الزيارات الدينية لمراقد عبد القادر الجيلاني، وجنيد البغدادي، ومعروف الكرخي، وسري السقطي، وأحمد الرفاعي وآخرين من أقطاب المتصوفة في بغداد.
وتمتد المأدبة في أروقة المسجد الكبير المطل على نهر دجلة، حيث تنصب مناضد كبيرة على طول الفناء الخارجي للمسجد وأخرى على الأرض. في حين تخصص للنساء موائد داخل المسجد مع الأطفال، تحوي عادة وجبات اللحم والدجاج والحساء والأرز، كما تتنوع الوجبات من يوم إلى آخر على مدى 30 يوماً حتى نهاية رمضان.
يقول مدير الإدارة في جامع الإمام أبو حنيفة النعمان، الشيخ عبد المجيد الحمداني لـ"العربي الجديد": "يعود تأريخ هذه المأدبة إلى أيام تشييد المسجد (375هـ) أي 985 و986م، ويعد من المساجد القديمة جداً في بغداد. وقال كثيرون أن تأريخ المأدبة يعود إلى أيام المدرسة التي كان يعلم بها الإمام أبو حنيفة النعمان أي قبل تشييد المسجد. والمعروف أن الإمام النعمان توفي في بغداد في زمن الخليفة أبي جعفر المنصور عام 150هـ (767 - 768)".
ويضيف الحمداني "نعيش أيام الشهر الفضيل على المحبة والإيمان في قراءة القرآن الكريم والعبادة والصلاة وقيام الليل والأذكار والسحور. واعتاد أهالي الأعظمية في أيام الشهر الفضيل على هذه المأدبة التي لا يقتصر الإنفاق عليها من إدارة الجامع فقط، بل يتعاون الخّيرين من أهالي الأعظمية والبغداديين وبقية المحافظات على استمرارها وغناها".
ويقول أحمد سلمان (30 عاماً) لـ"العربي الجديد": "يكون فطوري غالباً في أيام الشهر الفضيل في جامع الإمام أبي حنيفة النعمان. ونحن معتادون على هذه المأدبة أباً عن جد، وكذلك أغلب أهالي الأعظمية وأهالي مدينة بغداد، ويقصدها الصائمون من بقية محافظات العراق الأخرى لأن لها خصوصية عندنا، وتحوي بفضل الله على كل الخيرات التي أنعم الله بها علينا".
وتقول الحاجة بدرية النعيمي (65 عاما) لـ"العربي الجديد" إنها تعيل ثلاثة أحفاد لها يُتموا بعد استشهاد ابنها وزوجته في تفجير الأعظمية الإرهابي عام 2008. وتشير إلى أنها تعتمد على مأدبة الجامع وتصفها بـأنها "رحمة الله لنا"، لأنها تفطر هي وأحفادها الأيتام وتأخذ من المأدبة طعاماً لسحورهم أيضاً.
وتضيف النعيمي "كان ابني في حياته حريصاً على إخراج الطعام يومياً إلى هذه المأدبة، ويوصله بيديه منذ كان عمره 10سنوات، آخذاً هذه العادة عن أبيه. لم تجف دموع الحاجة بدرية وهي تروي تاريخ حياتها وذكرياتها مع المأدبة الرمضانية في جامع الإمام أبي حنيفة النعمان.