تواجه العراقيين اليوم مشكلة إضافية تتمثل في أبراج الاتصالات الخاصة بشبكات الهاتف المحمول والإنترنت. وهو تهديد بيئي يتخذ طابع الجدية، بحسب عدد من الخبراء.
وعن ذلك، يقول خبير الاتصالات اللاسلكية المهندس مزاحم عامر: "هناك شروط تراعي السلامة الصحية قبل نصب أبراج الاتصالات في أي بلد في العالم منعاً للتسبب بأضرار صحية للمواطنين، خصوصاً أنَّ تلك الأبراج انتشرت بشكل لافت وسط الأحياء السكنية وعلى سطوح المباني ومنازل المواطنين، مع ما تطلقه من إشعاعات كهرومغناطيسية على مدار الساعة بهدف تأمين الاتصالات".
يضيف عامر لـ"العربي الجديد"، أنّ "نصب أبراج الاتصالات فوق المنازل والمباني السكنية أحدث العديد من المشاكل بسبب التنافس، كونها تنصب مقابل أجور شهرية لصاحب المنزل أو المبنى من دون معرفة مخاطرها على الصحة العامة والتلوث الكهرومغناطيسي الخطير خصوصاً على القريبين منها".
يعتبر أطباء وباحثون أنَّ هناك مخاطر كبيرة تشكلها أبراج الاتصالات وما تبثه من إشعاعات كهرومغناطيسية لعدة كيلومترات. يوضح الباحث في الأورام السرطانية هيثم العبيدي، لـ"العربي الجديد"، أنّ تلك الأبراج "تشكل خطراً كبيراً على صحة المواطنين، ويمتد الخطر من الخمول والإرهاق وتضرر الصحة النفسية، إلى الإصابة بسرطان الدم، وأضرار في المخ، وخلل في أجهزة تنظيم ضربات القلب. فالإشعاعات تؤثر في جسم الإنسان بثلاث طرق، أولاها اقتران المجال الكهربائي للأشعة مع خلايا الجسم، ثم اقتران المجال المغناطيسي لها بالخلايا، وأخيراً امتصاص طاقتها من قبل خلايا الجسم، لترتفع حرارة الخلايا وتحدث العديد من التغيّرات البيولوجية".
بدورهم، يحذر مهندسو البيئة أيضاً من تزايد مخاطر أبراج الاتصالات. ويعتبر المهندس البيئي مازن عبد الستار أنَّ "البيئة العراقية تعاني من تلوث خطير في مختلف القطاعات، لكن ما هو أشد خطراً تلك الإشعاعات الكهرومغناطيسية المنبعثة من الأبراج بشكل عشوائي. فالشركات نصبت الأبراج على ارتفاعات منخفضة مخالفة للتعليمات العالمية بهذا الخصوص".
يقول عبد الستار لـ"العربي الجديد": "لاحظنا في العديد من الأحياء السكنية التي تنتشر فيها تلك الأبراج أنَّ عدداً من المواطنين يشكون من صداع مستمر، وارتفاع في درجة حرارتهم، وهم يجهلون أنَّ السبب الرئيسي هو الإشعاعات المنبعثة من تلك الأبراج".
من جهتها، وجّهت وزارة البيئة في أغسطس/ آب الماضي إنذاراً إلى شركات الهاتف المحمول المخالفة في محافظة واسط، جنوب العراق، حيث تنتشر عشرات الأبراج المخالفة. وذكرت الوزارة في بيان لها، أنّ "الفرق الرقابية التابعة لمديرية البيئة وجّهت 21 إنذاراً إلى عدد من شركات الهاتف المحمول بسبب أبراجها المنصوبة بطريقة مخالفة وضرورة إزالة تلك الأبراج التي تخالف التعليمات ولم تحصل على موافقات بيئية". وبدأت وزارة البيئة بتفعيل أجهزة قياس الإشعاعات غير المؤيّنة الصادرة عن أبراج ومنظومات الهاتف المحمول المنتشرة في الأحياء السكنية في البلاد عام 2012.
وذكرت مصادر من وزارة البيئة أنّ "الفحوصات الميدانية عبر الفرق المختصة في عموم أنحاء البلاد جمعت المعلومات اللازمة من شركات الاتصالات لتفعيل عملية قياس الإشعاعات".
وكشفت المصادر لـ"العربي الجديد"، أنَّ "أجهزة قياس الإشعاعات الصادرة من أبراج الاتصال تعطي معلومات وافية لمعرفة تأثير الإشعاعات الكهرومغناطيسية على البيئة. وتمتلك الإشعاعات الكهرومغناطيسية طاقة تسبب اهتزازاً للذرات داخل جزيئاتها، لكنّ الإشعاع غير المؤيّن تأثيره أقل من المؤيّن على الجسم، ولو أنّه في الوقت عينه يحمل تأثيرات سلبية على صحة الإنسان".
بدوره، يقول الباحث في الاتصالات السلكية واللاسلكية مضر حازم، إنَّ "من واجب شركات الاتصالات أن تبيّن للمواطنين الأضرار المحتملة والمخاطر المترتبة من الإشعاعات الصادرة عن أبراجها". ويضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ الكثير من أبراج الاتصالات تنصب عشوائياً من دون دراسة مخاطرها الصحية والبيئية، بل وصل الأمر إلى حدوث مشاكل بين المواطنين أنفسهم في التنافس على نصب أبراج فوق منازلهم مقابل راتب شهري من الشركة.
قانونياً، يقول الخبير القانوني عادل الزبيدي، إنّ "خدمة الهاتف الخلوي دخلت إلى العراق بعد عام 2003 وبدأ العمل بها عام 2004. لكن قانون حماية وتحسين البيئة الجديد شرع عام 2009، ما يعني أنَّ منظومة الاتصالات اللاسلكية عملت في البلاد خمس سنوات كاملة من دون ضوابط قانونية".
يضيف الزبيدي لـ"العربي الجديد"، أنَّ "الضوابط القانونية الخاصة بنصب أبراج الاتصالات اللاسلكية تشمل نصب الأبراج على أسطح من الخرسانة وألاّ يقل ارتفاعها عن 15 متراً عن سطح الأرض داخل الأحياء السكنية. ويمنع نصب الهوائيات فوق أسطح العمارات السكنية والمستشفيات والمراكز الطبية وحضانات الأطفال والمراكز البحثية والكليات والمعاهد والمدارس". كما "يفرض القانون على شركات الهاتف المحمول توفير أجهزة قياس شدة الإشعاعات الكهرومغناطيسية المنبعثة من أبراج الاتصالات. لكنّ بعض الشركات لا تلتزم بتلك الضوابط القانونية". وهو ما يحتّم فرض عقوبات وغرامات مالية على الشركات المخالفة، بحسب عدد من الخبراء.
اقرأ أيضاً: وصفات طبية مشفرة تستشري في العراق