تركيا تستعيد طقوس رمضان العثمانية

إسطنبول
11 يونيو 2018
AFB6966A-9F5B-4710-9D64-E69572ADDB32
+ الخط -
كثيراً ما تستعيد الشعوب شيئاً من تاريخها في المناسبات الكبرى. الأتراك من جهتهم، يعيدون خلال شهر رمضان إحياء عادات وتقاليد من أيام السلطنة العثمانية

رمضان بالتقاليد العثمانية، هذا ما تعيشه تركيا في هذه الأيام. ويصعب على من لا يتابع طقوس الأتراك خلال "سلطان الأشهر" أن يرى كيف تعود الدولة العلمانية إلى أيّام السلطنة التي كانت تمثّل الإسلام والمسلمين. وتركيا التي تمزج بين التناقضات السياسية والاجتماعية، لها كذلك خصوصيتها في التعاطي مع الروحانيات، بطريقة لم تألفها معظم الدول الإسلامية في العالم. فيجوز للمرأة الدخول للصلاة في المساجد والدعاء بين حشود الرجال، ويجوز كذلك دخول السائحات السافرات إلى صحون الجوامع، ويجوز لكلّ شخص المجاهرة بصيامه أو بعدمه خلال هذا الشهر الفضيل.




وتحكي الروايات التاريخية أنّ السلطان، أيام الدولة العثمانية، كان يصدر وثيقة قبل 15 يوماً من حلول شهر رمضان، للعمل بها. ومن بنودها الملزمة نذكر منع تناول الأطعمة والمشروبات في الشوارع قبل أذان المغرب، في حين كانت تتألف هيئة لمراقبة أسعار السوق وأخرى لمراقبة مخترقي البنود وثالثة لتنظيم أوقات الإمساك. وتترافق تلك الإجراءات مع كرم مطلق، إذ تبقى أبواب القصور مفتوحة عند المغرب، فيتمكّن مَن يشاء من الدخول لتناول الإفطار، مسلماً كان أو غير مسلم. بالنسبة إلى العثمانيين، كلّما زاد عدد الفقراء على مائدة الإفطار فإنّ بركة المائدة تزيد وكذلك كرم صاحب الدار الذي يُقدم لهؤلاء هديّة بعد الإفطار إذ إنّهم استجابوا للدعوة. إلى ذلك، ثمّة طقوس احتفال خاصة بعد الإفطار، في حين أنّ خزانات المياه العامة في الشوارع كانت تُملأ بالعصائر. وقد دفع ذلك المستشرقة والكاتبة الإنكليزية دورينا نيف إلى القول إنّه "في شهر رمضان نجد أنّ الأتراك يصومون طوال النهار ويحتفلون طوال الليل، وكان أفراد الطبقة الثرية يفتحون أبواب منازلهم طوال الشهر لإطعام أيّ شخص في حاجة إلى ضيافة من غروب الشمس وحتى بزوغ فجر اليوم الجديد".

وتركيا بحسب ما يقول أحمد كان أوغلو وهو رجل دين ويعمل في تجارة الأغذية في منطقة أيفان سراي بإسطنبول، "تحاول منذ 15 عاماً استعادة تلك الطقوس الرمضانية العثمانية، من دون أيّ تدخّل بحريّة أيّ كان أو جعل الصيام إلزامياً أو معاقبة المفطرين، كما كان الأمر في أيام السلطنة العثمانية". يضيف كان أوغلو لـ"العربي الجديد" أنّ "الصيام لا يعني الامتناع عن الأكل والشرب فقط، بل أن نشعر بالفقراء والمحتاجين ونحاول أن نوصل الطعام إلى المحتاجين من إخوتنا المسلمين"، مشيراً إلى معاناة السوريين والفلسطينيين ومؤكداً أنّ "إيصال الطعام والدعم لهم فرض عين على المسلمين".

من جهته، يقول المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو لـ"العربي الجديد" إنّ "طقوس رمضان تبدلت منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم. وما زالت محاولات إحياء واستعادة العادات العثمانية قائمة، حتى يأخذ شهر رمضان بعده الاجتماعي". بالنسبة إليه، فإنّ "المساجد ليست للعبادة فحسب، بل هي مدارس وأماكن تثقيفية وقد بدأت تركيا استعادة تلك الأدوار"، مشيراً إلى أنّ "أبواب المساجد تبقى مفتوحة خارج أوقات الصلاة، خصوصاً خلال شهر رمضان، بهدف التثقيف واسترجاع التقاليد العثمانية القديمة". يضيف أنّ "رجال الدولة والسياسيين الأتراك يجلسون في الساحات وصحون المساجد إلى جانب الصائمين، لترجمة شعار المسؤول وجد لخدمة الشعب وليس للتعالي والسيادة عليه".

في السياق، تنتشر موائد الإفطار الرمضانية في معظم المساجد والساحات الرئيسية في ولايات البلاد، لتقديم الطعام والعصائر والمياه للصائمين، وذلك من ضمن ما يمكن وصفه بالتسابق بين المتبرّعين والبلديات التركية. وتُعَدّ موائد الإحسان بحسب زهراء صلغام، مناسبة لالتقاء الأتراك وتقديم الطعام للمحتاجين، حتى لو لم يكونوا من الصائمين. وتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "مصادر الطعام التي تتوفّر على موائد الإحسان متنوعة، وتساهم البلديات بالقسم الأكبر منها، إلى جانب ما يتبرّع به الميسورون ورجال الأعمال. كذلك، فإنّ مصدر بعض الطعام يعود إلى المنازل". وتعدّد صلغام أبرز الأطعمة الرمضانية في تركيا، من قبيل "شوربة العدس والسلطة التركية والتمر وكفتة داود باشا وفطائر بيدا... أمّا الحلويات فلا بدّ منها بعد الطعام من قبيل البقلاوة والكنافة".

وتتحدّث صلغام عن "عادات غريبة يستعيدها الأتراك خلال شهر رمضان، من قبيل وضع خاتم فضة في إحدى كرات لحم طبق داود باشا ليكون من نصيب من يكتشفه. إلى ذلك، فإنّ الأزواج يعترفون لزوجاتهم بأخطائهم ويجددون عهد المحبة لهنّ بعد تقديم الهدايا لهنّ. في المقابل، تعمد الزوجات كذلك إلى عهد المحبة وتقدّم خاتماً من الفضة لأزواجهنّ".




من جهة أخرى، خلال شهر رمضان الجاري، اقترحت رئاسة الشؤون الدينية في تركيا "الصيام الإلكتروني"، وهو ما يعني التقليل من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وما إليها. وشدّدت الرئاسة على ضرورة الابتعاد عن قضاء فترات الصيام أمام شاشة التلفزيون أو الكومبيوتر واستخدام شبكة الإنترنت وإضاعة الوقت من خلال متابعة ما يتناوله الناس والأماكن التي يزورنها. تجدر الإشارة إلى أنّ منظمة الهلال الأحمر التركي وهيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات تعمدان سنوياً إلى إيصال مساعدات إنسانية خلال شهر رمضان، إلى نحو 12 مليون شخص محتاج في داخل تركيا وخارجها.

ذات صلة

الصورة
احتجاج ضد مقتل الطفلة نارين غوران في تركيا، 9 سبتمر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

لم تلق جريمة قتل بتركيا، ما لقيه مقتل واختفاء جثة الطفلة، نارين غوران (8 سنوات) بعدما أثارت قضيتها تعاطفاً كبيراً في تركيا واهتماماً شخصياً من الرئيس التركي
الصورة
عبد الله النبهان يعرض بطاقته كلاجئ سوري شرعي (العربي الجديد)

مجتمع

تنفذ السلطات التركية حملة واسعة في ولاية غازي عنتاب (جنوب)، وتوقف نقاط تفتيش ودوريات كل من تشتبه في أنه سوري حتى لو امتلك أوراقاً نظامية تمهيداً لترحيله.
الصورة
الشاب الفلسطيني بسام الكيلاني، يونيو 2024 (عدنان الإمام)

مجتمع

يُناشد الشاب الفلسطيني بسام الكيلاني السلطات التركية لإعادته إلى عائلته في إسطنبول، إذ لا معيل لهم سواه، بعد أن تقطّعت به السبل بعد ترحيله إلى إدلب..
الصورة

سياسة

أثار اعتقال اللاعب الإسرئيلي ساغيف يحزقيل في تركيا أمس، ردود فعل غاضبة في إسرائيل، دفعت وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت لاتهام تركيا بأنها ذراع لحركة حماس.