يدخل الشمال الغربي من سورية، اليوم الاثنين، مرحلة جديدة، مع إنجاز المرحلة الأولى من اتفاق روسي تركي، وانقضاء التاريخ المحدد بـ15 أكتوبر/ تشرين الأول لخروج المسلحين التابعين لـ"التنظيمات الإرهابية" من المنطقة العازلة، بعدما تمّ إعلان إخلائها من السلاح الثقيل في العاشر من الشهر الحالي نفسه. ومن المفترض أن يبدأ طرفا الاتفاق (روسيا وتركيا) في إجراءات مرحلة جديدة، تتضمّن فتح طريقين يربطان مدينة حلب بالساحل السوري والعاصمة دمشق، وكلاهما يمر ضمن محافظة إدلب التي تقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة و"هيئة تحرير الشام". ويعوّل الجانب الروسي كثيراً على فتح الطرقات التي تمدّ النظام بالدعم الاقتصادي، وتأتي في سياق المحاولات الروسية لإعادة تأهيل النظام على مراحل.
وبدأت قوات النظام التشويش على الاتفاق، إذ قصفت فجر أمس الأحد مناطق داخل المنطقة منزوعة السلاح الثقيل التي اتفق عليها الروس والأتراك، وذلك قبيل الموعد المحدد للانتهاء من تأسيسها، اليوم (الاثنين). وقالت مصادر محلية إنّ قرية زيزون في سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي، تعرّضت لقصف مدفعي من قبل قوات النظام المتمركزة في معسكر جورين، ما أدى إلى سقوط جرحى من المدنيين، بينهم طفل. كما طاول القصف بلدة الزيارة، وقرى تل واسط والقاهرة والمنصورة، من دون وقوع إصابات بصفوف المدنيين.
من جانبها، ردّت فصائل المعارضة السورية على قصف النظام، بقصف معسكر جورين بالمدفعية الثقيلة، ما أسفر عن مقتل عنصرين من قوات النظام من مرتبات "الفوج 45"، وفق مصادر عسكرية من المعارضة، فيما جرى تبادل لإطلاق النار بالرشاشات بين الفصائل وقوات النظام في سهل الغاب قرب منطقة جورين في الريف الشمالي الغربي لحماة. كذلك سقطت قذائف عدة على أحياء في مدينة حلب وأطرافها، ما تسبب بأضرار مادية.
وبينما سحبت فصائل المعارضة السورية المسلّحة منذ أيام سلاحها الثقيل من المنطقة منزوعة السلاح، وفق ما نصّ عليه الاتفاق، أكّدت مصادر في المعارضة أنّ قوات النظام لم تقم بخطوة مماثلة، بل وتواصل خرق اتفاق الهدنة الروسية – التركية، عبر استهداف المنطقة العازلة في ريف حماة.
إلى ذلك، نقلت صحيفة "الوطن"، أمس الأحد، عن مصادر في النظام زعمها أنّ "سيناريو درعا سيتكرّر في المنطقة منزوعة السلاح"، في إشارة واضحة إلى عدم رضا النظام عن الاتفاق، ولكن قراره بات بيد الجانب الروسي الذي يبدي حرصاً على إنجاز الاتفاق مع حليفه التركي.
بدوره، قال العقيد مصطفى بكور، القيادي في "الجيش السوري الحر"، إنّه "حتى الآن، تظهر التصريحات الروسية والتركية مقداراً كبيراً من الرضا عن سير تنفيذ الاتفاق"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أنّه "حسب التسريبات، فإنّ مسؤولية إدارة المنطقة منزوعة السلاح من جهة مناطق المعارضة السورية المسلحة، ستكون على عاتق الفصائل الثورية الموجودة هناك وبمساعدة تركية، ولكن لا يمكن إنكار وجود مؤسسات خدمية تابعة للحكومة المؤقتة". وأشار بكور إلى أنّ هناك كثيراً من الصعوبات تعترض المرحلة القادمة والمتمثلة بفتح الطريقين الدوليين "وأهمها مطالبة الفصائل الكبيرة أن تكون هذه الطرق تحت سيطرتها وأن يعود المردود المالي لها... وكذلك ما صدر عن جيش العزة (كبرى فصائل المعارضة في ريف حماة الشمالي) من ربط فتح الطرقات بإخراج المعتقلين، وهذا الأمر من الصعوبة بمكان أن يحدث بعد الكشف عن مقتل آلاف السجناء"، مستدركاً "ولكن تقاطع المصالح بين الأتراك وبعض الفصائل قد يذلّل بعض الصعوبات المتوقعة أمام خطوة فتح الطرقات".
من جانبه، أكّد قيادي آخر في "الجيش السوري الحر" لـ "العربي الجديد"، أنّ المنطقة منزوعة السلاح الثقيل "ستبقى تحت سيطرة فصائلنا، ولن يكون هناك أي وجود روسي فيها، ومن هنا جاء دعمنا للاتفاق"، معرباً عن قناعته بأنّ النظام "سيحاول إفشال الاتفاق بشتى السبل"، وفق القيادي.
وينص الاتفاق الذي أعلن عنه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في سوتشي في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، على إنشاء منطقة آمنة ستكون ما بين 15 و20 كيلومتراً، على الحدود الفاصلة بين إدلب ومناطق النظام السوري، وستكون خالية من السلاح الثقيل، مع بقاء المعارضة فيها واحتفاظها بالسلاح الخفيف، وطرد المتطرفين من المنطقة، فضلاً عن فتح الطريقين الدوليين حلب - حماة، وحلب - اللاذقية، قبل نهاية العام الحالي.
كذلك ينصّ الاتفاق على أن تُنشأ المنطقة العازلة بحلول 15 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، بعد تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق وهي "انسحاب التنظيمات الإرهابية من المنطقة منزوعة السلاح"، بعد أن تمّ إخراج الأسلحة الثقيلة منها. وستتخذ روسيا تدابير لمنع قوات النظام السوري من شنّ هجوم على إدلب.
وكانت قد أعلنت "الجبهة الوطنية للتحرير"، وهي أكبر تكتل مسلح للمعارضة في إدلب، أنّ "الفصائل التابعة للجبهة استكملت سحب الدبابات والمدافع والرشاشات الثقيلة من خطوط المواجهة مع قوات النظام في إدلب وحدود حماة واللاذقية وحلب". كذلك سحبت "هيئة تحرير الشام" التي تشكّل "جبهة النصرة" قوامها الرئيسي، أسلحتها وعناصرها من المنطقة "منزوعة السلاح"، في انصياع واضح للاتفاق الذي ألقى على عاتق الأتراك التعامل مع هذه التنظيمات في المرحلة المقبلة من الاتفاق. وتحيط المنطقة العازلة بمحافظة إدلب، بدءاً من منطقة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي ومروراً بريف حماة الشمالي وانتهاءً بريف حلب الغربي.
وفي السياق، أكّد العقيد فاتح حسون، وهو قيادي في "الجيش السوري الحر" ورئيس حركة "وطن"، أنّ المرحلة الأولى من اتفاق سوتشي "أنجزت بنجاح"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "لقد سحبت التنظيمات المصنفة متطرفة سلاحها من المنطقة منزوعة السلاح، كما فعلت الفصائل المعتدلة، وذلك باتجاه داخل منطقة إدلب وفق خطة لإعادة الانتشار، تراعي خريطة تمركز الفصائل، وضرورة الحفاظ على الجاهزية القتالية لصدّ أي عدوان بري ممكن أن يحدث من قبل النظام وداعميه".
واعتبر حسون أنّ "النتائج في هذه المرحلة جيّدة، حيث انتهت وفق الزمن المحدّد لها، وباستخدام الأساليب الناعمة من دون حدوث اشتباكات أو اقتتال بين التيار الضعيف الرافض للاتفاق وبين الموافقين عليه" ضمن "هيئة تحرير الشام" وباقي التنظيمات التي أعلنت رفضها له. وأرجع حسون سبب نجاح المرحلة الأولى من الاتفاق إلى "تغليب العقل على الأيديولوجيا لدى الفصائل المصنفة إرهابية، ما يعني إمكانية تقاربها مع خط الاعتدال والجنوح إليه مع الأيام"، وفق حسون.
وأعرب القيادي في "الجيش السوري الحرّ" عن اعتقاده بأنّ أصعب المخاطر التي تواجه اتفاق قمة سوتشي هو "خروج التنظيمات المصنفة إرهابية من المنطقة منزوعة السلاح وإعادة انتشارها في باقي منطقة إدلب، حيث ستتذرع روسيا بوجودها لاستهداف المنطقة"، مشيراً إلى أنّ "هذه التنظيمات بدأت تتنامى قوتها بعد انشقاق تيار القياديين المصريين عن هيئة تحرير الشام، ووجود قيادات في الهيئة مثل أبو مالك التلي، تميل إلى فكر المصريين المتشدّد، وبالتالي قد يحدث صدام معهم قريباً إن لم يوافقوا على المضي بالاتفاق أو تخريبه بتنفيذ عمليات عسكرية وفق ما دعا إليه التلي، نصرةً للنازحين في مخيم الركبان على الحدود السورية الأردنية".
وأضاف حسون أنّ "هناك أيضاً حكومة الإنقاذ المرتبطة إلى حدّ ما مع هيئة تحرير الشام، ومدى تجاوبها مع الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف، إضافة لمصير وجود التنظيمات المصنفة إرهابية في المنطقة من دون أن تحلّ نفسها، وكل ذلك تحديات في ظلّ ضرورة تأمين فتح الطريقين الدوليين الواردين في الاتفاق"، متابعاً بالقول "لكن نستطيع القول إنّ المرحلة الأولى من الاتفاق أنجزت بنجاح".
ومن المفترض أن تنهي المنطقة منزوعة السلاح الثقيل أي احتمال لتصادم عسكري واسع النطاق بين فصائل المعارضة السورية وقوات النظام، ما يعني عملياً انتهاء الحرب بين الطرفين في حال صمود هذا الاتفاق الذي يبذل الروس والأتراك جهوداً لتنفيذه ضمن المهل الزمنية التي قررها الرئيسان رجب طيب أردوغان، وفلاديمير بوتين.